تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وكم كانت محزنتي عظيمة عندما تبين لي أن الجهد التفصيلي الكبير المبذول في هذا الكتاب لم يكن على منهجية مرضية لدى الأكاديميين وأهل العلم إذ حوى من السقطات والتجاوزات ما لا يمكن قبوله في سلك التدريس الأكاديمي العالي، وزاد فجيعتي تزكية المشرف على الرسالة لهذا التحقيق الذي وصفه بأنه يجري وفق المنهج العلمي المتبع في علم التحقيق، ثم لم يكتف بذلك إذ جعل عمل الطالبين الكريمين الغضّين في مجال التحقيق بمثابة الصُّوى التي ترسم معالم الطريق للمحققين وطالب بالاسترشاد بعملهما والاقتداء بفعلهما، وهما الحديثان في شأن التحقيق وفنونه وأصوله، ولم يعانيا فيه ما عاناه شيوخ التحقيق، وما كان ينبغي أن يبالغ المشرف عليهما في إضفاء هذه التزكية السابغة عليهما.

ولعل أعجب ما في هذا التحقيق أنهم سلخوا ترجمة مؤلف الكتاب سلخاً هريّاً فتولى أحدهما ترجمة حياته وشيوخه ورحلاته وشيئا من الحياة العلمية في عصره وأطال الحديث عن المدارس الشامية والشيوخ مما أخذ موضعا كبيرا من الدراسة كان يغني عن كثير منها إحالات في الحواشي والهوامش، وتولى الثاني في جزء آخر عصر المؤلف السياسي والاقتصادي والاجتماعي مع بحث ضعيف للغاية عن أسلوب العليمي ومؤلفاته، وكان أولى بالمحققين الذين نشرا هذا المصدر العظيم أن يعيدا تنسيق جهدهما المبذول في مرحلة الماجستير ودواعي التقسيم المتكلف فيه مما هو معلوم في أعمال المشاركة، أن يعيدا تنظيم الكتاب ورد أعجازه على صدوره والتأليف بين مباحثه وتراجمه ولاسيما في المقدمة المنهجية التي تحمل صورة العمل وسيرورة البحث فيه مما يدفع الباحث للاطمئنان على صحة الاستدلال ودقة الوضع والاختيار وحسن التقديم والانتقال.

وقد خلت الترجمة من المثير المفيد ولو قرأنا البحث الضافي للعلامة المقدسي الأستاذ فهمي الأنصاري عن مجير الجين الحنبلي ورأينا التحقيقات المتينة التي وصل إليها لرأينا البون الشاسع بين ما قدمه المحققان من تصفيف حجارة مطروحة في كتب هنا وكتب هناك دون هندسة أو ميزان فغدا رصيفهما مخلعاً مشققاً لا يطمئن فيه السالك.

وأعظم خطأ وقع فيه المحققان أنهم لم يستوفيا البحث في مخطوطات الكتاب في مكتبات العالم لاسيما أن مخطوطاته عديدة موفورة قريبة المأخذ، ويحتاج الأمر إلى تشغيل العلاقات والصبر عليها للحصول على عشرات النسخ الخطية منها واستقصاء أماكن وجودها، بدل الاعتماد على ما يوجد فقط في مكتبة الأستاذ الكبير الباحث فهمي الأنصاري أو مصورات مركز الوثائق في الجامعة الأردنية، و لم يكتفيا بذلك بل إنهما رجعا إلى نسخة مطبوعة في عصرنا الحديث لا يجوز لهما الاستهداء بها لحداثتها، ولاستغناء التحقيق عنها بوجود نسخ خطية عديدة، ولا يجوز الاستدلال بأنه طبعة قديمة فحكم هذه الطبعات كحكم النسخ المتأخرة الكتابة إذ هي الأقل قيمة لدى المحققين.

ولو بحثا قليلا ووجدا فسحة لعملا على ترميم ما فاتهما بسبب ضغط تزقيت تقديم رسالة الماجستير وللظروف الطارئة عليهما من اعتقالٍ أو عدم قدرة على السفر، ولو أنهما سألا بعض شيوخ التحقيق لأرشداهما إلى سلوك طرق سهلة في التوصل مع الجامعات والهيئات والمكتبات والدور المهتمة بالمخطوطات، وإليكم هاتين النسختين المخطوطتين لهذا الكتاب أوردها على سبيل التمثيل:

قال الأستاذ محمود الطناحي: رأيت وصورت من الأنس الجليل نسخة بقلم نسخى، سنة (942هـ) وتقع في (285) ورقة. وهي محفوظة بخزانة جامعة القرويين بفاس - برقم 80/ 376، ونسخة أخرى، بقلم نسخى حسن، سنة (1007هـ) وتقع في (284) ورقة. وتحتفظ بها الخزانة العامة بالرباط - برقم (802ق) *.

ولم يناقش المحققان في مقدمة تحقيقهما بعض الأخطاء الوادح مما وقع فيه العليمي من اعتماد الأخبار الإسرائيليات وجنايتها على التاريخ والحقيقة، ولم يقدما رأيهما في سقاطة هذه الأخبار والنقول القديمة التي لا تتضمن أسانيد موصولة، أو لا تشتمل على ما يصدقه العقل مما هو ليس بكرامة أو معجزة منصوص عليها وإنما هي خزعبلات ومرويات شعبية إسرائيلية يجري تداولها على أنها حقائق علمية دون فحص أو تنبيه إلا في مواضع قليلة ثم لا يذكران سبب كتابتهما هذا التعليق.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير