تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن باب أولى إذا كان السفر لغير الجهاد، فيكون الفطر فيه لمشيئة المسلم إن شاء صام وإن شاء أفطر. وقد ثبت ذلك من حديث أبي سعيد رضي الله عنه أيضا، فقد جاء فيه: " لقد رأيتنا نصوم مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بعد ذلك في السفر".

قد يقال: إن هذه الصيغة- نصوم مع رسوله اللّه صلى اللّه عليه وسلم- يفهم منها أنهم كانوا يصومون وهم في صحبة رسول الله صلى اللّه عليه وسلم دون أن يشاركهم الرسول صلى اللّه عليه وسلم في الصيام, وفعل الصحابة في حياته صلى اللّه عليه وسلم ليس حجة.

فيجاب عن ذلك، بأنه يكفي في حجية هذا الفعل، اطلاع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عليه دون أن ينكره, فيكون سنة تقريرية وهي حجة قد يقال: يحتمل أنه لم يطلع عليهم حتى يكون ذلك سنة تقريرية.

فيجاب عن ذلك: بأنه وإن كان فيه بعد، لكن يكفي في الحجية حدوث هذا الفعل زمن نزول الوحي، لأنه لو كان فيه مخالفة لنزل الوحي ببيانها.

3 - الدليل الثالث: عن جابر بن عبد اللّه رضي الله عنهما، قال: " كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في سفر فرأى رجلا قد اجتمع الناس عليه وقد ظلل عليه، فقال: ماله, قالوا: رجل صائم، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: ليس البر أن تصوموا في السفر" [13].

وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم نفى البر- بكسر الباء- يعني الطاعة والعبادة عن الصيام في السفر، أَي ليس من الطاعة والعبادة، أن تصوموا في السفر، وإذا انتفى كان الصيام في السفر من البر، فإن من خالف وصام، فإنه يكون آثما وبالتالي لا يجزئ عنه هذا الصيام.

وقد أجيب عن ذلك، بأن هذا الحديث، قصد بلفظه شخص معين- وهو المذكور في الحديث- وما يكون مماثلا له. والمعنى: ليس من البر أن يبلغ الإنسان بنفسه هذا المبلغ بعد أن رخص اللّه عز وجل له في الفطر [14].

ولكن تناقش هذه الإجابة، بما قيل في علم الأصول، بأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

وترد هذه المناقشة بأن الحديث واقعة عين، ووقائع الأعيان لا يستدل بها على عموم الأحكام, والدليل على عدم قصد العموم في هذا الحديث، ما ثبت من صوم الرسول صلى اللّه عليه وسلم في رمضان في حديث أم الدرداء عن أبي الدرداء رضي اللّه عنه قال: "خرجنا مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان في حر شديد حتى إن كان أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر وما فينا صائم إلا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وعبد اللّه بن رواحة" [15].

وقد حمل بعض العلماء هذا الحديث على القاعدة الشرعية، في رفع مالا يطاق عن هذه الأمة، فيكون مؤداه: أن المريض المقيم، والمسافر المرهق، ومن أجهده الصوم، عليهم أن يفطروا، فإن لم يأخذوا بالرخصة واستمروا على صومهم، حتى خشي عليهم التلف، فإنهم يكونون عصاة بصومهم واستحق من يفعل مثل هذا الفعل، أن يوصف صومه، بأنه ليس من البر، والله أعلم [16].

وقد أجاب ابن حزم على ذلك، بأن هذه الحال- المشار إليها في القاعدة السابقة-محرم البلوغ إليها باختيار المرء للصوم في الحضر والسفر، وقد خصص النبي صلى اللّه عليه وسلم المنع من الصيام في السفر مطلقا بهذا الحديث، فيجب أخذ كلامه عليه الصلاة والسلام على عمومه [17].

ويجاب عن ادعاء العموم من الحديث، بأن فعل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وفعل أصحابه بعد ذلك، قد بين أن هذا العموم غير مراد، فقد ثبت عنهم الصوم والفطر بعد هذه الواقعة وقد وضحت ذلك في تعليقي على حديث أبي سعيد الخدري الذي جاء فيه: " لقد رأيتنا نصوم مع رسول الله صلى اللّه عليه وسلم بعد ذلك في السفر" [18] والشريعة كل لا يتجزأ.

وقد رد ابن القيم على أصحاب هذا الاتجاه وهو الاستدلال بعموم النص مع قطع النظر عن فعله صلى اللّه عليه وسلم وفعل أصحابه المخصص له، فقال: "وهذا موضع يغلط فيه كثير من قاصري العلم يحتجون بعموم نص على حكم ويغفلون عن عمل صاحب الشريعة وعمل أَصحابه الذي يبين مراده" [19].

4 - الدليل الرابع: من أدلة هذا الفريق الموجب للفطر في السفر: ما رواه أبو سلمة قال: أخبرني عمرو بن أمية الضمري، قال: "قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر فقال: انتظر الغداء يا أبا أمية، فقلت: إني صائم، فقال: تعال ادن مني حتى أخبرك عن المسافر أن اللّه عز وجل وضع عنه الصيام ونصف الصلاة" [20].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير