مستند الفريق الأول:
لم أجد مستنداً من السنة يشهد لقول هذا الفريق بعدم جواز الفطر لمن بدأ سفره بعد طلوع الفجر.
وقد وجدت أثراً عن الحسن البصري، رواه عبد الرزاق عن معمر عمن سمع الحسن يقول: إذا أصبح الرجل صائما في شهر رمضان ثم خرج مسافراً نهاراً. فلا يفطر ذلك اليوم إلا أن يخاف العطش على نفسه فإن تخوفه أفطر والقضاء عليه، فإن شاء بعد أفطر وإن شاء صام [4].
واضح من سند هذا الأثر: أن هناك راويا مجهولاً بين معمر وبين الحسن. ثم فيه تعليق استمرار الصيام على عدم الخوف من العطش.
كما استدل بعض العلماء لهذا الرأي، بأن الصوم: عبادة تختلف بالسفر والحضر فإذا اجتمعا فيها غلب حكم الحضر قياساً على الصلاة، فلو صلى مسافر خلف مقيم وجب عليه الإتمام [5].
وقد قيل في الرد عليه: إن الصوم يختلف عن الصلاة، فإن الصلاة يلزم إتمامها بالنية بخلاف الصوم [6].
أما أدلة الفريق الثاني فأهمها ما يلي:
1 - ما رواه أبو داود بسنده إلى عبيد بن جبير، قال: كنت راكباً مع أبي بصرة الغفاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفينة من الفسطاط في رمضان، فرفع [7] أبو بصرة، ثم قرب غذاؤه (غداء). قال جعفر [8] في حديثه: فلم يجاوز البيوت حتى دعا بالسفرة. قال: اقترب؟ قلت: ألست ترى البيوت؟ قال: أترغب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال جعفر في حديثه: فأكل [9].
قال الشوكاني: سكت عنه أبو داود والمنذري والحافظ، في التلخيص ورجاله ثقات [10].
فهذا تصريح من أبي بصرة بأن الإفطار للمسافر في اليوم الذي خرج فيه من السنة وعبارة الخطابي في الاستدلال منه: (فيه حجة لمن رأى للمقيم ذي الصيام إذا سافر من يومه أن يفطر) [11] ..
2 - ما رواه البيهقي عن محمد بن كعب قال: أتيت أنس بن مالك في رمضان، وهو يريد السفر، وقد رحلت له دابته ولبس ثياب السفر، وقد تقارب غروب الشمس فدعا بطعام فأكل منه، ثم ركب فقلت له سنة، قال: نعم. قال الترمذي: بعد أن ذكره: هذا حديث حسن [12].
قال الشوكاني عن هذا الحديث: سكت عنه الحافظ، وفي إسناده عبد الله بن جعفر والد علي بن المديني، وهو ضعيف، ولكن صاحب التحفة قال: لا بأس يكون عبد الله في الطريق الأولى فإنه لم يتفرد به بل تابعه محمد بن جعفر في الطريق الثانية، وهو ثقة [13].
2 - ما رواه البيهقي أيضا بسنده إلى إسحاق عن عمرو بن شرحبيل أنه كان يسافر وهو صائم فيفطر من يومه [14].
والمختار: هو قول من يرى إباحة الفطر لمن سافر من بعد طلوع الفجر للأمور التالية:
أولا: لصحة إطلاق اسم المسافر عليه حقيقة. وقد قال تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} فقد علق سبحانه الرخصة على وجود السفر. وقد تحقق بمجرد حركته على الطريق، فينبغي أن تتعلق به أحكامه التي من بينها إباحة الفطر.
ثانيا: القول بإباحة الفطر، فيه تيسير على المسافر، والتيسير هو مناط الرخصة قال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}.
ثالثا: أن القول بإباحة الفطر هو أقرب القولين إلى السنة، فقد نسب كل من أبي بصرة وأنس بن مالك فطره في نفس اليوم الذي سافر فيه إلى فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال تعالى {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ... } الآية.
جـ- من عزم على السفر من الليل ونوى الفطر ولم يسافر إلا بعد طلوع الفجر:
يرى فقهاء المالكية والشافعية والحنفية، أن الشخص المقيم إذا عزم على السفر من الليل وبيت نية الفطر حتى طلع عليه الفجر ولم يبدأ سفره إلا بعد طلوع الفجر، فإنه يعتبر مخالفاً لأحكام الصيام في السفر، إذ كان يجب عليه أن يبيت الصيام مادام لن يبدأ سفره إلا بعد طلوع الفجر.
والأثر المترتب على ذلك: القضاء فقط مع إمساك بقية اليوم. أما المالكية فيوجبون عليه القضاء والكفارة.
وجهة الفريق الأول:
يرى هذا الفريق: أن فاعل ذلك وإن كان مخطئاً لكنه متأول نظراً لوجود نية السفر لديه، فوجود هذه النية أورثه شبهة الإباحة، وهذه الشبهة تنفي عنه الكفارة.
وجهة الفريق الثاني:
¥