أما الأمر الصادر بالقضاء فقد جاء بصيغة النكرة الواقعة في سياق الإثبات قال تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}. وهذه الأيام الأخر مطلقة، فيجوز القضاء في أي وقت مفرقا أو متتابعا،.
كما أنه يفارق الصلاة؟ لأن الصلاة ملاحظ فيها دائما، في الأداء والقضاء قوله صلى الله عليه وسلم: " صلوا كما رأيتموني أصلي "،
كما أن الصلاة إذا تركها المرء عددا قليلا من الأوقات كخمس أوقات فأقل فكثير من الفقهاء يوجب الترتيب بينها، أما أكثر من ذلك فلا، وهذا موضع مختلف فيه بين الفقهاء،
الفريق الثاني:
نقل عدم وجود التتابع عن عدد كبير من الصحابة والتابعين والفقهاء، منهم علي بن أبي طالب ومعاذ بن جبل وابن عباس وأنس وأبو هريرة والأوزاعي والثوري وأبو حنيفة ومالك وأحمد وإسحاق وأبو ثور، [17]
أهم الأدلة التي استدل بها لهذا الفريق ما يلي:
1 - قال تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}.
وقد أوضحنا وجه الدلالة من هذه الآية قريبا ويتخلص في: أن الله سبحانه وتعالى قد أمر بقضاء أيام الفطر بسبب المرض والسفر في أيام أخر بعد انتهاء رمضان دون قيد،.
ويرد على هذا الاستدلال، بما جاء من قول عائشة - رضي الله عنها - السابق من أن هذه الآية كانت (فعدة من أيام أخر متتابعات) فسقط لفظ متتابعات،.
ويجاب، بأن السقوط، قد فسر بالنسخ، والنسخ محتمل لنسخ الحكم والتلاوة معا ولنسخ التلاوة دون الحكم، ومعلوم أن الدليل إذا تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال،
وعلى ذلك فبقيت الآية محكمة، وقد فهمها الصحابة على هذا النحو:
أ – فقد سئل أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه عن قضاء رمضان، فقال: إن الله لم يرخص لكم في فطره وهو يريد أن يشق عليكم في قضائه فأحصى العدة واصنع ما شئت [18] ..
ب - وسئل معاذ بن جبل رضي الله عنه عن قضاء رمضان، فقال: أحصي العدة وصم كيف شئت، وقد نقل مثل هذا القول وبهذا اللفظ عن ابن محيريز [19] ..
ج - وعن ابن عباس رضي الله عنهما: قال: يقضيه متفرقا، فإن الله قال: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [20].
د - وعن أنس بن مالك، أنه كان لا يرى به بأسا ويقول: إنما قال الله {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [21] ونقل مثل هذا القول عن ابن عباس [22] ..
قال تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر} ..
حيث جاء أسلوب المطالبة بالأداء مغاير لأسلوب المطالبة بالقضاء، فالأداء قد حدد فيه زمن الصوم تحديدا كاملا، أما في جانب القضاء، فاكتفى في الأمر به بذكر المماثلة في العدد بين الأيام التي أفطر فيها والأيام التي سيقضيها بدلا عنها، دون أن يحدد وقت معين لقضاء هذه الأيام،.
قد يقال: أن أمر القضاء وإن جاء مطلقا في الآية، فإن حديث أبي هريرة قد قيد هذا الإطلاق ..
فيجاب بأن ما قيل في سند هذا الحديث حتى مع ترجيح جانب الصحة فيه يجعله غير صالح لتقييد مطلق الكتاب،.
المختار: هو قول من يرى عدم وجوب التتابع، لأن الأمر في الرخص مبني على التخفيف والمسامحة، ولأن فهم الصحابة للآية والذي اتضح من استدلالهم بها على عمومها، أقوى من الاحتمالات الواردة في حديث عائشة رضي الله عنها إلا أن الأفضل هو التتابع - كما يقول الجمهور - للجمع بين الأدلة من جهة، وللمسارعة في إسقاط الواجب وإبراء الذمة من جهة أخرى،
والله أعلم.
هل يجوز للمسافر الصوم في قضاء لرمضان سابق عليه؟
يرى ابن حزم للمسافر في شهر رمضان جواز الصيام أثناء سفره قضاء لأيام كانت عليه من رمضان السابق [23] ..
وجهة ابن حزم في الجواز:
يقول ابن حزم: "إن الله سبحانه وتعالى: منع المسلم المسافر من صيام رمضان أثناء سفره، ولكن لم يمنعه من أي صيام آخر غير هذا الشهر، سواء كان هذا الصيام - الآخر - نذرا أو تطوعا أو قضاء لرمضان سابق عليه وعلى هذا فلا مانع من صيام رمضان السابق، للمسافر خلال رمضان الذي يسافر فيه، لقوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} وهذه الأيام الأخر لم يحدد لها وقت فيجوز أداؤها في كل وقت [24] ..
من يرى عدم الجواز:
¥