وقال الترمذي تعليقاً على الحديث السابق، وإنما معنى هذا عند بعض أهل العلم لا صيام لمن لم يجمع الصيام قبل طلوع الفجر في رمضان، أو في صيام نذر، إذا لم ينوه من الليل لم يجزه [7].
لذلك كله أقول: إن المختار: هو رأي هذا الفريق الذي يرى ضرورة إجماع النية على الصيام من طلوع الفجر، فإذا ما وصل المسافر بعد طلوع الفجر إلى دار الإقامة فلا يجب عليه الإمساك بقية يومه، بل له أن يستمر مفطرا حتى انتهاء هذا اليوم الذي وصل فيه، كما أن له أن يفطر على ما شاء مما أحله الله له والله أعلم،
بيان الآثار المترتبة على الأخذ بهذه الرخصة:
اتفق أهل العلم على أن المسافر إذا اجتمعت لديه شروط الأخذ بالرخصة - حسب ما بيناه سابقا - وأفطر تبعا لذلك، فإنه يجب عليه قضاء الأيام التي أفطر فيها، إلا أنهم اختلفوا في عدد من المسائل المتعلقة بذلك …
وفيما يلي بيان بأهم المسائل المختلف فيها وآرائهم حولها ومستند كل رأي، بيان مدى قربه أو بعده من السنة المطهرة، ونعقد لذلك عدداً من المطالب نبدؤها بالمطلب الأول فنقول:
هل يجب التتابع في قضاء الأيام الني أفطرها في سفره:
اختلف أهل العلم في وجوب التتابع في قضاء الأيام التي أفطرها المسلم أثناء سفره عملا بالرخصة، على فريقين:
الفريق الأول: يرى وجوب التتابع في القضاء، وقد حكى هذا الرأي، عن ابن عمر وعائشة والحسن البصري وعروة ابن الزبير والنخعي وداود الظاهري،.
وقد نقل عن داود قوله: هو - أي التتابع - واجب غير شرط، بمعنى أن تاركه يأثم لكن مع ذلك يعتد بما صامه شرعا [8] ..
وأهم الأدلة التي استدل بها لهذا الفريق ما يلي:
1 - عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من كان عليه صوم رمضان فليسرده ولا يقطعه" [9].
وقد نوقش هذا الاستدلال، بما نقله البيهقي عن يحيى بن معين والنسائي والدار قطني من تضعيفهم لعبد الرحمن بن إبراهيم أحد رجال هذا الحديث [10] ..
وقد رد على هذه المناقشة بما نقل عن بعض أصحاب الحديث من توثيقهم لعبد الرحمن هذا، فقد وثقه البخاري في تاريخه كما وثقه ابن معين. ونقل عن أحمد بن حنبل، أنه قال: لا بأس به، وقال أبو زرعة: لا بأس به أحاديثه مستقيمة، وعن الدار قطني، أنه وثقه في هذا الحديث وقال ابن عدي: لم يتبين في حديثه ورواياته حديث منكر فأذكره به، وقال ابن القطان: هو مختلف فيه والحديث من روايته حسن [11]، وأخيراً قال فيه الحافظ ابن حجر: ثقة حافظ متقن [12].
2 - عن عائشة رضي الله عنها، قالت: نزلت {فعدة من أيام أخر متتابعات} فسقطت متتابعات [13] ..
فهذا اللفظ (متتابعات) الذي نزل متعلقا بأيام أخر يوضح الحالة التي ينبغي أن يكون عليها قضاء هذه الأيام الأخر وهي: أن يكون القضاء متتابعا،.
ولكن يناقش هذا الاستدلال بأن السند الذي روى به هذا القول عن عائشة رضي الله عنها، وهو عبد الرزاق، عن ابن جريح، عن ابن شهاب، وعن عروة، روى به أيضا تأويل قولها "سقطت ": بأنها تريد: نسخت، لا يصح له تأويل وغير ذلك، [14]
ويرد على هذه المناقشة، بأن النسخ قد يكون نسخا للتلاوة مع بقاء الحكم، وقد يكون النسخ للتلاوة والحكم معا، وليس في هذه الرواية ما يدل على إرادة أحد هذين الأمرين،
3 - ما روى من قول علي رضي الله عنه: من أن " قضاء رمضان متتابعا" [15].
ويناقش هذا، بأنه من رواية الحارث الأعور، وهو ضعيف بل وروى عن طريقه أيضاً عن علي رضي الله عنه" أنه كان لا يرى به متفرقا بأسا " [16].
4 - مشابهة القضاء للأداء: أي بما أن الأداء لا يصح إلا متتابعا، فالقضاء كذلك، إذ لا فرق بين الأداء والقضاء، كما هو في قضاء الصلاة،.
ويناقش هذا الاستدلال، بالفرق بين الأمر الصادر من المشروع بالأداء وبين الأمر الصادر بالقضاء، حيث جاء الأمر بالأداء مقرونا ببيان تحديد الوقت الذي يجب فيه الصيام تحديدا واضحا، قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}.
¥