والحكمة من القول وجوب الإطعام؟ أن مثل هذا الشخص يعتبر مفرطا في القضاء في الأيام التي يجب عليه القضاء فيها والتي تنتهي بنهاية شهر شعبان التالي له أو هي ما بين الرمضانيين، لذلك استحق أن يجازي بإطعام كل يوم مسكينا مع القضاء بالصيام …
ويرى الحسن البصري وإبراهيم النخعي وأبو حنيفة والمزني وداود: أن عليه القضاء بالصيام فقط ولا فدية عليه [30] .. وقد نقل عن داود قوله في هذا الصدد: من أوجب الفدية على كل من أخر ليس معه حجة من كتاب ولا سنة ولا إجماع [31].
وهو كما قال: إلا أنه يقال أيضاً: أن من نفى وجوب الفدية عليه ليس له مستند من كتاب أو سنة أو إجماع؟.
أما العموم المستفاد من قوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} فهو يفيد جواز القضاء في أي أيام أخر قبل رمضان التالي أو بعده ليس إلا، أما الإطعام فهو أمر زائد على القضاء فلا تثبته الآية ولا تنفيه ..
وإذا تساوى القولان من هذه الناحية؟ فإنه ينظر إلى الآثار المروية عن الصحابة رضي الله عنهم, إذ هم قريبو العهد بالتنزيل وأدرى بمواقع النصوص، فقد روى البيهقي بسنده إلى ابن عباس رضي الله عنهما في رجل أدركه رمضان وعليه رمضان آخر؟ قال يصوم هذا ويطعم عن ذاك كل يوم مسكينا ويقضيه،.
كما روى أيضا بسنده إلى أبي هريرة: أنه قال: في رجل تتابع عليه رمضانان ففرط فيما بينهما، يصوم الذي حضر ويقضي الآخر ويطعم لكل يوم مسكينا [32] …
والواقع أن الموقف الذي اتخذه جمهور الفقهاء هنا بالتفرقة بين شخصين: أحدهما شغل عن القضاء بالسفر أو المرض حتى أدركه رمضان الآخر فجعلوه معذورا يكتفي منه بالقضاء فقط، والآخر الذي كانت لديه فسحة من الوقت ولم ينتهزها وفرط في القضاء ولم يهتم بالإسراع لأداء الواجب الذي شغلت به ذمته حتى وافاه رمضان الآخر، فأوجبوا عليه الإطعام مع القضاء لرمضان الأول، هذا الموقف يتفق مع النصوص الشرعية ولا يتعارض معها، وهو وإن لم يكن فيه نص صريح في الموضوع لكن نصوص الشريعة متوافرة في التفرقة بين المحسن والمسيء وقد قال صلى الله عليه وسلم فيمن منع زكاة ماله: " إنا آخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا عز وجل …" الحديث [33].
الحكم فيمن شغل عن القضاء حتى مات
من سافر وأخذ بالرخصة فأفطر ولم يقض ما عليه حتى مات له حالتان:
الحالة الأول: من اتصل عذره بالموت:
المسافر الذي أخذ بالرخصة فأفطر واستمر في سفره حتى مات أو عاد من سفره ولكن لم تتح له الفرصة للقضاء فاستمر مشغولا بالمرض أو غيره حتى مات، فيرى أهل العلم بما يشبه الإجماع، أنه لا شيء عليه ولا يصام عنه ولا يطعم، لقوله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} (البقرة: الآية 286)،
كما أنه شبيه بالحج، فمن لم يستطع أداء الحج من وقت بلوغه حتى مات فلا شيء عليه [34].وقد نقل عن طاوس و قتادة، أنه يطعم عن كل يوم مسكين لأنه عاجز فأشبه الشيخ الهرم.
ولكن رد عليهما، بأن الشيخ الهرم عامر الذمة بخلاف الميت الذي تنتهي ذمته بالموت عند أكثر الفقهاء، كما أن الشيخ الهرم من أهل العبادات بخلاف الميت الذي تنقطع أهليته بالموت [35].
الحالة الثانية: من فرط بترك القضاء حتى مات:
إذا عاد المسافر من سفره صحيحا واستمر كذلك ولم يحدث له مانع يمنعه من القضاء حتى أدركه الموت، فقد قال عدد كبير من الصحابة والتابعين والفقهاء، أنه يطعم عنه عن كل يوم مُدٌّ من طعام من غالب قوت البلد، وممن قال بذلك، ابن عباس وابن عمر وعائشة وأبو عبيد وابن علية والخزرجى ومالك وأبو حنيفة وأحمد والثوري والليث والأوزاعي والشافعي في المشهور عنه،
إلا أن الحنفية يشترطون أن يوصى بالإطعام عنه قبل موته ولم يشترط باقي الأئمة ذلك، لأن الإطعام عنه يعتبر عبادة والعبادة لا بد فيها من النية، ولذلك يخرج الإطعام عنه من ثلث ماله [36].
أما بقية الفقهاء فيعتبرونه من الحقوق المالية المتعلقة بديون العباد فلذا جازت فيها النيابة،
وقد حكى ابن المنذر عن ابن عباس والثوري، أنه يطعم عنه عن كل يوم مُدان [37].
وقد احتج لهذا الفريق الذي يرى الإطعام على من فرط حتى مات بما يلي:
1 - عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يموت وعليه رمضان ولم يقض: قال: "يطعم عنه لكل يوم نصف صاع من بر " [38].
¥