قال البيهقي - بعد سرده لهذا الحديث - هذا خطأ من وجهين:
أحدهما: رفعه الحديث للنبي صلى الله عليه وسلم و إنما هو من قول ابن عمر،
والآخر: قوله نصف صاع وإنما قال ابن عمر: مدا من حنطة [39].
وقد نقل النووي كلام البيهقي هذا واحتج به [40].
لكن صاحب الجوهر النقي تعقب كلام في تضعيف هذا الحديث وقال: إن البيهقي فهم: أن محمدا، الذي روى عنه أشعث هو ابن أبي ليلى، وكذا صرح به الترمذي، وقد أخرج ابن ماجه هذا الحديث في سننه بسند صحيح عن أشعث عن محمد بن سيرين عن نافع عن ابن عمر مرفوعا، ثم قال: فإن صح هذا فقد تابع ابن سيرين ابن أبي ليلى، فلقائل: أن يمنع الوقف، أي أن يمنع الدعوى بوقف هذا الحديث على ابن عمر رضي الله عنهما [41]،
ورواية ابن ماجة التي أشار إليها صاحب الجوهر النقي، جاءت بلفظ: " من مات وعليه شهر فليطعم عنه مكان كل يوم مسكين " [42].
وقد نقل السندي تعليقا للمزي في الأطراف جاء فيه: قوله - يشير إلى ابن ماجه - عن محمد بن سيرين: وهم، فإن الترمذي: رواه ولم ينسبه ثم قال الترمذي، وهو عندي محمد ابن عبد الرحمن بن أبي ليلى [43].
ولا أدري هل المزي هو الواهم في نسبته ابن ماجه إلى الوهم، حيث اعتمد على تصريح الترمذي، بأن روايته للحديث عن طريق محمد بن عبد الرحمن، فاعتبر أن كل طرقه تدور عليه وأن من روى خلاف ذلك، يعتبر واهما،
وقد يكون الأمر على خلاف ذلك، بأن يكون ابن ماجه رواه عن طريق محمد بن سيرين، فيكون متابعا، وقد يكون ابن ماجه قد وهم في نسبته إلى محمد بن سيرين، والله أعلم بالصواب،
2 - عن عبادة بن نسي رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم:" من مرض في رمضان فلم يزل مريضا حتى مات لم يطعم عنه وإن صح فلم يقضه حتى مات أطعم عنه " [44].
هذا الحديث في سنده ابن أرطأة وهو مدلس، فلا يصلح للاحتجاج به،
3 - عن ابن عباس رضي الله عنهما بسند صحيح قال في الرجل المريض في رمضان فلا يزال مريضا حتى يموت، قال: ليس عليه شيء فإن صح فلم يصم حتى مات أطعم عنه كل يوم نصف صاع من حنطة [45]،
4 - روى الإطعام بسند صحيح عن عمر بن الخطاب والزهري والحسن والنخعي وعطاء [46].
أن الشخص المفرط في القضاء حتى مات مثله مثل الشيخ الفاني الذي عجز عن الصيام في آخر عمره فإنه يجب في حقه الإطعام ويسقط عنه الصوم وإنما جازت المماثلة هنا لأن قضاء الصيام عن التراخي باتفاق أكثر الفقهاء ما عدا داود، إلا أن بعضهم يوجب الفدية في حالة التفريط وبعضهم لا يوجبها [47]،
مقدار الفدية:
الفدية عند أبي حنيفة والثوري - ونقل أيضا عن ابن عباس -: مدان من البر أو أربعة من الشعير أو التمر [48].
أما الفدية عند أكثر الفقهاء، فهي مد من الطعام من غالب قوت أهل البلد، وسواء كان التأخير لعام أو لعامين، وهناك وجه عند الشافعية، أنه يجب دفع مُدَّيْنِ عن كل يوم, إذا كان قد مضى عليه رمضانان، وصححه المتأخرون منهم [49].
أما الفرق الثاني: فيرى: أن من فرط في قضاء الصيام، فإنه يصام عنه سواء قام بذلك وليه عنه أو استأجر من يصوم عنه أو قام أجنبي بالصيام عنه من تلقاء نفسه،
وقد قال بذلك: طاووس والحسن البصري والزهري وقتادة وأبو ثور وداود، وهو قول الشافعي في مذهبه القديم، وهو أصح القولين عنه عند محققي الشافعية [50].
وقد استدل لهذا الفريق بما يلي:
1 - حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم: " من مات وعليه صيام، صام عنه وليه " [51].
وقد ضعف بعض العلماء هذا الحديث بما روى عن عمارة بن عمير عن امرأة عن عائشة في امرأة ماتت وعليها الصوم، قالت: يطعم عنها وروى عنها من وجه آخر عن عائشة أنها قالت: لا تصوموا عن موتاكم وأطعموا عنهم [52].
وقد أجاب البيهقي، بأن ما ذكر لا يوجب ضعفا في الحديث، فمن يجوز الصيام عن الميت يجوز الإطعام عنه، وفيما روى عنها في النهي عن الصوم عن الميت نظر [53].
وقد عقب صاحب الجوهر على دعوى البيهقي في قوله: وفيما روى عنها في النهي عن الصوم عن الميت نظر، فقال قد صح ذلك عنها، ثم ذكر ما جاء عند أبي جعفر الطحاوي بسنده إلى عمرة بنت عبد الرحمن قالت: قلت لعائشة أن أمي توفيت وعليها صيام رمضان أيصلح أن أقضي عنها، فقالت: لا ولكن تصدقي عنها مكان كل يوم على مسكين خير من صيامك، ثم قال: هذا سند صحيح [54].
¥