عُزُوبَتُهُ:
اَلْعَلَّامَة اِبْنُ بَدْرَانَ فِي عِدَادِ اَلْعُلَمَاءِ اَلْعُزَّابِ يَقُولُ -رَحِمَهُ اَللَّهُ تَعَالَى- فِي خَاتِمَةِ شَرْحِ اَلرَّوْضَةِ: ". . . وَأَسْأَلُهُ تَعَالَى أَنَّهُ كَمَا عَوَّدَنِي لُطْفُهُ وَإِحْسَانُهُ اَلْجَمِيلُ فِيمَا مَضَى, أَنْ يُدِيمَ ذَلِكَ عَلَيَّ فِيمَا بَقِيَ, وَأَنْ يُعِينَنِي عَلَى نَشْرِ اَلْعِلْمِ, وَيَجْعَلَ بَيْنِي وَبَيْنَ اَلْقَوَاطِعِ سَدًّا مَسْدُودًا, وَيَمْنَعَ عَنِّي مُرَاوَغَةَ اَلْأَعْدَاءِ وَكَيْدَ اَلْحُسَّادِ وَمَكْرَ أَعْدَاءِ اَلْعِلْمِ وَأَهْلِهِ, فَإِنَّهُ لَا مَالٌ لِي وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَعُونَتُهُ -سُبْحَانَهُ تَعَالَى- وَرِزْقُهُ اَلَّذِي تَفَضَّلَ بِهِ عَلَيَّ كَفَافًا. . . " ()
وَقَالَ اَلْأُسْتَاذُ أَدْهَمُ آلُ الْجِنْدِيِّ: ". . . لَقَدْ آثَرَ اَلْعُزُوبَةَ فِي حَيَاتِهِ لِيَتَفَرَّغَ لِطَلَبِ اَلْعِلْمِ وَالتَّدْرِيسِ" ()
شِعْرُهُ:
وَصَفَ غَيْرُ وَاحِدٍ اَلْعَلَّامَة اِبْنَ بَدْرَانَ بِأَنَّهُ أَدِيبٌ وَشَاعِرٌ, قَالَ اَلْعَلَّامَة خَيْرُ اَلدِّينِ اَلزَّرْكَلِيُّ: ". . . عَارِفٌ بِالْأَدَبِ وَالتَّارِيخِ, لَهُ شِعْرٌ. . . " ()
وَقَالَ مُحَمَّدٌ تَقِيُّ اَلدِّينِ اَلْحِصْنِيُّ: "سَبَقَ كَثِيرًا مِنْ إِخْوَانِهِ وَأَقْرَانِهِ فِي اَلْأَدَبِ وَاللُّغَةِ " () وَقَالَ اَلْأُسْتَاذُ أَدْهَمُ آلُ الْجِنْدِيِّ: "كَانَ شَاعِرًا وَأَدِيبًا وَقُطْبًا وَعَالِمًا فَذًّا بَلِيغًا, وَجَمَعَ شِعْرَهُ فِي دِيوَانٍ " ().
وَقَدْ تَنَوَّعَ شِعْرُ اِبْنِ بَدْرَانَ فَمِنْهُ فِي اَلْمَرْثِيَّاتِ, وَمِنْهُ بَعْضُ اَلْغَزَلِيَّاتِ, وَمِنْهُ مَا كَانَ فِي تَذَكُّرِ اَلْأَطْلَالِ حِينَمَا كَانَ مُسَافِرًا إِلَى اَلْمَغْرِبِ, كَمَا أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ فِي مُقَدِّمَةِ دِيوَانِهِ, قَالَ بَعْدَ دِيبَاجَةٍ لَطِيفَةٍ: ". . . لَمَّا كَانَتْ بَنَاتُ اَلْأَفْكَارِ أَغْلَى مِنْ بَنَاتِ اَلْأَبْكَارِ, وَمَحَاسِنُ اَلتَّشْبِيهِ رِيَاضَ اَلْأَدِيبِ اَلنَّبِيهِ, وَبَدَائِعُ اَلْبَدِيعِ أَبْدَعَ مِنْ أَزْهَارِ اَلرَّبِيعِ, وَتَذَكُّرُ اَلدِّمَنِ وَالْمَنَازِل أَسْكَرَ مِنْ اِحْتِسَاءِ اَلْبَلَابِلِ, وَأَسْحَرَ مِنْ سِحْرِ بَابِلَ, وَالْغَزْلُ وَالنَّسِيبُ نَسِيبِينَ لِذِكْرَى حَبِيبٍ, وَشَكْوَى اَلْأَرَقِ وَالْهَجْرِ أَرَقَّ مِنْ نَسِيمِ اَلْفَجْرِ. . . ".
إِلَى أَنْ قَالَ -بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ سَفَرَهُ إِلَى اَلْمَغْرِبِ, وَضَيَاعَ بَعْضِ اَلْأَوْرَاقِ اَلَّتِي فِيهَا شِعْرُهُ-:"وَلَمَّا قَدَّرَ اَللَّهُ اَلرُّجُوعَ إِلَى اَلْوَطَنِ تَذَكَّرْتُ تِلْكَ اَلْأَطْلَالَ وَالدِّمَنَ, فَرَأَيْتُهَا شَيْئًا يَسِيرًا فَأَرَدْتُ جَمْعَهَا لِتَكُونَ لِي تِذْكَارًا عَلَى مَا مَضَى وَسَمِيرًا, مَعَ أَنِّي لَمْ أُكَلِفْ نَفْسِي نَظْمًا, وَلَا أَتْعَبْتُ لَهُ قَرِيحَةً وَلَا فَهْمًا, بَلْ وَقَعَ عَفْوًا تَرْوِيحًا لِلْبَالِ, وَفِي اَلْخَلَوَاتِ نَجْوَى, وَجَعَلْتُ مَا نَظَمْتُهُ مُرَتَّبًا عَلَى أَبْوَابٍ وَفُصُولٍ .... ". ().
فَدَلَّ هَذَا عَلَى مَعْرِفَةِ اِبْنِ بَدْرَانَ بِالشِّعْرِ, وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى عِنَايَتِهِ بِهِ أَنَّهُ أَلَّفَ كِتَابًا أَسْمَاهُ: "اَلْمَنْهَلُ اَلصَّافِي " فِي شَرْحِ اَلْكَافِي فِي اَلْعَرُوضِ وَالْقَوَافِي " وَقَدْ دَرَسَ عَلَيْهِ غَيْرَ وَاحِدٍ فِي اَلْعَرُوضِ وَالْقَوَافِي, كَمَا سَيَأْتِي ذَلِكَ فِي ذِكْرِ تَلَامِيذِهِ, وَمَضَى ذِكْرُ بَعْضِ شَعْرِهِ, وَمِمَّا قَالَ أَيْضًا حِينَمَا كَانَ مُسَافِرًا.
حَنَثَتْ يَمِينُكَ يَا زَمَانُ فَكَفِّرِ حَلَفَ اَلزَّمَانُ لَيُنْسِينِي عَهْدَهُ
يَحْلُو لِعَيْنِي اَلْغَيْرُ فَهُوَ اَلْمُفْتَرِي مَنْ كَانَ يَزْعُمُ أَنَّنِي أَسْلُوهُ أَوْ
وَلَكُنْتُ خُضْتُ اَلْيَوْمَ مَتْنَ اَلْأَبْحُرِ لَوْ أَنَّ بِي سَعَةً لَمَا فَارَقْتُهُ
وَقَالَ -اِرْتِجَالاً عِنْدَمَا تَكَلَّمَ عَلَى "لَوْ" فِي "حَاشِيَتِهِ عَلَى شَرْحِ اَلْأَلْفِيَّةِ لِابْنِ اَلنَّاظِمِ بَدْرِ اَلدِّينِ":
¥