مُتَوَاضِعًا, حُلْوَ اَلْعِبَارَةِ, كَثِيرَ اَلتَّحَرِّي فِي أَمْرِ اَلدِّينِ وَالدُّنْيَا, مُنْقَطِعًا إِلَى اَللَّهِ تَعَالَى, وَكَانَ كَثِيرًا مَا يُورِدُ كَلَامَ اَلْحَافِظِ أَبِي اَلْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ اَلزَّيْدِيِّ وَهُوَ قَوْلُهُ: "اِجْعَلُوا اَلنَّوَافِلَ كَالْفَرَائِضِ, وَالْمَعَاصِي كَالْكُفْرِ, وَالشَّهَوَاتِ كَالسُّمِّ, وَمُخَالَطَةَ اَلنَّاسِ كَالنَّارِ, وَالْغِذَاءَ كَالدَّوَاءِ".
وَكَانَ فِي أَحْوَالِهِ مُسْتَقِيمًا عَلَى أُسْلُوبٍ وَاحِدٍ مُنْذُ عُرِفَ, فَكَانَ يَأْتِي مِنْ بَيْتِهِ إِلَى اَلْمَدْرَسَةِ اَلْعُمَرِيَّةِ بِالصَّالِحِيَّةِ فِي الصَّبَاحِ, فَيَجْلِسُ فِيهَا وَأَوْقَاتُهُ مُنْقَسِمَةٌ أَقْسَامًا: صَلَاةٌ, وَقِرَاءَةُ قُرْآنٍ, وَكِتَابَةٌ وَإِقْرَاءٌ, وَانْتَفَعَ بِهِ خَلْقٌ كَثِيرٌ, وَأَخَذَ عَنْهُ اَلْحَدِيثَ جَمْعٌ مِنْ أَعْيَانِ اَلْعُلَمَاءِ, وَاتَّفَقَ أَهْلُ عَصْرِهِ عَلَى تَقْدِيمِهِ وَتَفْضِيلِهِ.
وَلَهُ كِتَابُ "كَافِي اَلْمُبْتَدِي" فِي اَلْفِقْهِ, وَاخْتَصَرَهُ فِي كِتَابٍ لَطِيفٍ سَمَّاهُ أَخْصَرَ اَلْمُخْتَصَرَاتِ.
وَلَهُ كِتَابُ "مُخْتَصَرُ اَلْإِفَادَاتِ فِي رُبْعِ اَلْعِبَادَاتِ مَعَ اَلْآدَابِ وَزِيَادَاتٍ".
وَرِسَالَةٌ فِي اَلْعَقِيدَةِ اَلسَّلَفِيَّةِ اِخْتَصَرَهَا مِنْ كِتَابِ "نِهَايَةِ اَلْمُبْتَدِئِينَ" لِابْنِ حِمْدَانَ اَلْحَنْبَلِيِّ ().
وَكَانَ لَهُ مَحَاسِنُ وَلِطَائِفُ مَعَ اَلْعُلَمَاءِ, وَوَلِيَ خَطَابَةَ اَلْجَامِعِ اَلْمُظَفَّرِيِّ اَلْمُسَمَّى بِجَامِعِ اَلْحَنَابِلَةِ فِي الصَّالِحِيَّةِ, وَكَانَ اَلنَّاسُ يَقْصِدُونَ اَلْجَامِعَ اَلْمَذْكُورَ لِلصَّلَاةِ وَالتَّبَرُّكِ بِهِ ().
قَالَ اَلْمُحِبِّيُّ: وَبِالْجُمْلَةِ فَقَدْ كَانَ بَقِيَّةَ اَلسَّلَفِ وَبَرَكَةَ اَلْخَلَفِ, وَكَانَتْ وَفَاتُهُ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ وَأَلْفٍ, وَدُفِنَ بِسَفْحِ قَاسِيونَ. هَذِهِ خُلَاصَةُ مَا قَالَهُ اَلْمُحِبِّيُّ.
وَذَكَرَهُ اَلشَّيْخُ يَحْيَى اَلْمُصَالِحِيُّ فِي "مَنَاقِبِ اَلْعُلَمَاءِ اَلْعَامِلِينَ" فَقَالَ: هُوَ شَيْخُ اَلْإِسْلَامِ زُهْدًا وَعِبَادَةً وَعِلْمًا, كَانَ أَحَدُ اَلْأَئِمَّةِ اَلْعُلَمَاءِ اَلْمُنْقَطِعِينَ إِلَى اَللَّهِ لِلْعِبَادَةِ, وَإِقْرَاءِ اَلْعُلُومِ اَلنَّافِعَةِ, وَكَانَ إِذَا رَآهُ أَحَدٌ عَرَفَ -بِمُجَرَّدِ رُؤْيَتِهِ- وِلَايَتَهُ; لِإِحَاطَةِ اَلنُّورِ بِهِ, كَثِيرَ اَلتَّحَرِّي فِي أُمُورِ اَلدِّينِ وَالدُّنْيَا. اهـ ().
اَلْمُقَدِّمَةُ اَلثَّالِثَةُ فِي اِصْطِلَاحٍ خَاصٍّ
إِنَّنِي سَلَكْتُ فِي هَذِهِ التَّعْلِيقَةِ اِصْطِلَاحًا خَاصًّا, فَحَيْثُ قُلْتُ: " قَالَ اَلشَّيْخُ" أَوْ عِنْدَ "اَلشَّيْخِ", فَمُرَادِي بِهِ اَلْإِمَامُ بَحْرُ اَلْعُلُومِ اَلنَّقْلِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ تَقِيٌّ اَلدِّينِ أَحْمَدُ بْنُ تَيْمِيَّةَ. وَحَيْثُ ذَكَرْتُ "اَلْعُمْدَةَ " فَمُرَادِي بِهَا كِتَابُ "اَلْعُمْدَةِ " لِلْإِمَامِ مُوَفَّقِ اَلدِّينِ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ قُدَامَةَ اَلْمَقْدِسِيِّ. وَحَيْثُ قُلْتُ:" قَالَ اَلشَّارِحُ" فَإِنِّي أَقْصِدُ بِهِ اَلشَّيْخَ عَبْدَ اَلرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ اَلدِّمَشْقِيَّ صَاحِبَ كِتَابِ "كَشْفِ اَلْمُخَدِّرَاتِ شَرْحِ أَخْصَرَ اَلْمُخْتَصَرَاتِ ".
وَاعْلَمْ أَنَّنِي ذَكَرْتُ فِي هَذِهِ اَلْعُجَالَةِ مِنَ اَلْمَسَائِلِ اَلَّتِي اِنْفَرَدَ بِهَا اَلْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ غَيْرِهِ, وَمَا كَانَ مِنَ اَلْمَسَائِلِ اَلَّتِي اِسْتَنْبَطْتُ لَهَا حُكْمًا أَوْ كَانَتْ حَادِثَةً, فَإِنِّي أُصَدِّرُهَا بِقَوْلِي:"أَقُولُ" وَهَذِهِ طَلَائِعُ مَا أَرَدْنَا بَيَانَهُ, وَبِاَللَّهِ اَلتَّوْفِيقُ وَهُوَ اَلْمُعِينُ.
خُطْبَةُ اَلْمُؤَلِّفِ
بِسْمِ اَللَّهِ اَلرَّحْمَنِ اَلرَّحِيمِ
¥