وأصح المراسيل مراسيل سعيد بن المسيب؛ لأنه من أولاد الصحابة، وأبوه من أصحاب الشجرة، وقد أدرك سعيدُ عمرَ وعثمان وعليًا وطلحة والزبير وسائر العشرة، وليس في التابعين من أدركهم وسمع منهم غير سعيد/8أ/ وقيس بن أبي حازم، ومع هذا فإنه فقيه أهل الحجاز ومفتيهم، وأول الفقهاء السبعة الذين يَعُدُّ مالكُ بن أنس إجماعهم إجماع كافة الناس، وهم: سعيد بن المسيب، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، وعروة بن الزبير، وخارجة بن زيد بن ثابت، وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وسليمان بن يسار. وبعضهم يجعل سالم بن عبد الله مكان أبي سلمة.
وأيضًا فقد تأمل العلماء مراسيله فوجدوها بأسانيد صحيحة، وهذا الشرائط لا توجد في مراسيل غيره.
باب ذكر بيان الموقوف من الآثار وأنواعه
قال عثمان بن سعيد: وهذا باب منه جليّ لا يخفى على الطالبين، ومنه خفي لا يعرفه إلا أهل الصنعة
فأما الجلي من ذلك فما ورد من الآثار موقوفة على الصحابة لا يجاوزون بها
وذلك مثل أن يُروى الحديث مسندًا إلى الصحابي من غير إرسالٍ، فإذا بلغ الصحابي قال: إنه كان يقول كذا وكذا، وكان يفعل كذا وكذا، وكان يأمر بكذا وكذا ... وشبه ذلك من اللفظ
ومثل ذلك نحو: الزهري، عن سالم، عن أبيه موقوفًا
ونحو: مالك، عن أيوب وعبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر أنه قال ...
ونحو: زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر ... موقوفًا
وشبه ذلك ما هو موقوفٌ على الصحابة.
ومثال ذلك: ما حدثناه محمد بن أحمد بن علي البغدادي، قال: حدثنا أحمد بن موسى، قال: حدثنا العباس بن محمد الدوري، قال: حدثنا أيو يحيى الحماني، قال: حدثنا الأعمش /8ب/ عن حبيب، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن عبد الله بن مسعود، قال: اتبعوا ولا تبتدعوا، فقد كفيتم.
وهذا مثلٌ لسائر ما يرد من نحوه موقوفًا على الصحابة.
فصل
وأما الخفي من الموقوف، فمثاله: ما أخبرناه عبد الملك بن الحسن، قال: حدثنا محمد بن عبد الله الحافظ، قال: حدثنا الزبير بن عبد الواحد، قال: حدثنا محمد بن أحمد (الزيبقي) قال: حدثنا زكريا بن يحيى المنقري، قال: حدثنا الأصمعي، قال: حدثنا كيسان مولى هشام بن حسان، عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن المغيرة بن شعبة، قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرعون بابه بالأظافير.
فهذا ربما تأمله من ليس من أهل الحديث فظن أنه مسندٌ؛ لذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس كذلك، إنما هو موقوفٌ على صحابيٍ حكى عن أقرانه من الصحابة فعلاً، وليس يسنده واحدٌ منهم، وكذلك سبيل ما يرد من مثل ذلك عن الصحابة.
فصل
ومن الموقوفات أيضًا ما حدثناه أحمد بن إبراهيم، قال: حدثنا سعيد بن عبد الرحمن، قال: حدثنا ابن عيينة، عن خصيب، عن مقسم، عن ابن عباس في قوله " فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ". قال: الرفث الجماع، والفسوق المعاصي، والجدال أن تماري صاحبك حتى تغضبه.
وهذا وما أشبهه من الموقوفات يعد من تفسير الصحابة، وقد يرد عنهم تفسير يُعد في المسند دون الموقوف.
ومثال ذلك /9أ/: ما حدثناه عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد الفرائضي، قال: حدثنا محمدبن عبد الله بن صالح ببغداد، قال: حدثنا أحمد بن عمير، قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي أويس، قال سليمان بن بلال، عن زيد بن اسلم، عن ابن عمر: أن رجلاً أتى امرأة من دبرها فوجد في نفسه من ذلك وجدًا شديدًا، فأنزل الله عز وجل " نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ".
قال أبو عمرو: فهذا وما أشبهه مسندٌ غير موقوفٍ؛ لأن الصحابي المشاهد للوحي والتنزيل أخبر عن آية من القرآن أنها نزلت في كذا وكذا، فهذا حديثٌ مسندٌ كما قد بيناه في المسند قبلُ.
فصل
ومن الموقوفات ما يرسل قبل الوصول إلى الصحابي، ومعرفة ذلك من أصعب ما في هذا الباب.
ومثال ذلك: ما حدثناه محمد بن عبد الله الفقيه، قال: حدثنا وهب بن ميسرة، قال: حدثنا ابن وضاح، عن الصمادحي، عن ابن مهدي، عن سفيان الثوري، عن حماد بن زيد، عن إبراهيم، عن ابن مسعود: اتبعوا ولا تبتدعوا، فقد كفيتم.
فهذا موقوفٌ على ابن مسعود، ومرسلٌ قبل التوقيف؛ لأن إبراهيم لم يدركه.
¥