قال: أخبرنا الشيخ الفقيه المقرئ المحدث أبو علي منصور بن خميس بن محمد بن إبراهيم اللخمي المريّ، قال: أخبرنا الشيخ الصالح الفقيه المقرئ المحدث العلامة النشابة أبو عبد الله محمد بن سليمان بن يحيى القيسي ثم (البُونْتي) والفقيه أبو عمر (الخضر) بن عبد الرحمن بن سعيد القيسي، والشيخ الصالح المقرئ أبو الحسن علي بن محمد بن هذيل، قالوا جميعًا: حدثنا أبو داود سليمان بن أبي القاسم مولى المؤيد بالله أمير المؤمنين هشام، قال: حدثنا أبو عمرو عثمان بن سعيد بن عثمان المقرئ رضي الله عنه.
قال: أما بعد، فإنكم سألتموني – أحسن الله توفيقكم – أن أعرفكم بطريق نقل الآثار، وكيفية المسند المتصل منها والمرسل الذي ليس بمتصل والموقوف والمنقطع؛ لتقفوا على حقيقة ما يرد في ذلك في الموطآت وفي سائر المصنفات، فأسرعت في إجابتكم عما سألتمونيه، وشرحت لكم الأنواع المذكورة التي بها ترد الآثار نوعًا نوعًا على حدةٍ، وجعلت لكل نوعٍ منها مثالاً يقاس عليه سائر أشكاله، ويستدل به على نظائره وأمثاله، وأضفت لكم إل ذلك أحوال المدلسين من أصحاب الحديث الذين لا يميز من كتب عنهم ما سمعوه مما لم يسمعوه، وقسمت طبقاتهم، وبيّنت مذاهبهم واعتمدت في جميع /2ب/ ذلك على الاختصار وترك الإطناب والإكثار ليصل من رغب معرفة ذلك من طلبةِ الحديث ورواة الأخبار إلى حقيقته في يسر ويحفظ في قرب.
وبالله عز وجل نستعين، وعليه نتوكل وهو حسبنا وإليه أنيب.
باب: ذكر بيان المسانيد من الآثار وتقسيمها
قال عثمان بن سعيد: المسند من الآثار الذي لا إشكال في اتصاله هو: ما يرويه المحدث عن شيخ يظهر سماعه منه بسن يحتملها، وكذلك شيخه عن شيخه إلى أن يصل الإسناد إلى الصحابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فالمتصل من رواية أهل الثقة هو مثل: الزهري، عن سالم، عن أبيه مرفوعًا
ومثل: الزهري، عن [ابن] المسيب، عن أبي هريرة مرفوعًا.
ومثل: مالك، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعًا.
ومثل: عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر [مرفوعًا].
وأيوب، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعًا.
ومثل: منصور بن المعتمر والأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله مرفوعًا.
وكذلك ما كان مثله متصل مرفوع، ومثال ذلك:
ما حدثنا حمزة بن علي بن حمزة البغدادي، قال: حدثنا أحمد بن بهزاذ بن مهران السيرافي، قال: حدثنا أبو غسان مالك بن يحيى، قال: حدثنا عبد الوهاب بن عطاء الخفاف، قال: حدثنا ابن عون، عن عامر، عن النعمان بن بشير، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الحلال بين والحرام بين، وإن بين /3أ/ ذلك أمورًا متشابهات – قال: وربما قال: أمورًا متشابهة –
قال أبو عمرو: فسماعي من حمزة ظاهرٌ، وسماعه من ابن بهزاذ ظاهرٌ، وكذلك سماع ابن بهزاذ من أبي غسان، وكذلك سماع أبي غسان من عبد الوهاب، وسماع عبد الوهاب من ابن عون , وسماع ابن عون من الشعبي، وسماع الشعبي من النعمان، وسماع النعمان من النبي صلى الله عليه وسلم.
وسمعت عبد الوهاب ابن أحمد بن الحسين بن منير بمصر، يقول: سمعت أحمد بن محمد ابن الأعرابي بمكة، يقول: سمعت أبا رفاعة، يقول: سمعت ابن عائشة يقول: سمعت عبد الوهاب بن عبد المجيد، يقول: سمعت يحيى بن سعيد، يقول: سمعت محمد بن إبراهيم، يقول سمعت علقمة بن وقاص يقول: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله وإلى رسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى امرأة يتزوجها أو دنيا يصيبها فهجرته إلى ما نوى ".
فهذا أيضًا متصلٌ مسندٌ بيِّن الاتصال؛ لصحة سماع كل من ذكر فيه من شيخه الذي ذكره.
وهذا مثلٌ ضربته لسائر ما يرد من المسند البيِّن الاتصال.
فصل
وإذا قال الصحابي: " كنا نفعل كذا " و" كنا نؤمر بكذا" و" وأُمرنا أن نفعل كذا، ونهينا عن كذا، ومن السنة كذا، ومن الفطرة كذا، وكنا نقول ورسول الله صلى الله عليه وسلم فينا كذا /3ب/ وكنا لا نرى بأسًا بكذا، وكان يُقال كذا وكذا ... وشبه هذا إذا قاله الصحابي المشهور بالصحبة فهو حديثٌ مسندٌ متصلٌ، وجميع ذلك مخرجٌ في المسانيد، وإن لم يذكر الصحابي في شيءٍ من ذلك النبيَّ صلى الله عليه وسلم.
¥