قال أبو عمرو: وكذا سائر ما يرد من مثل هذا هو متصلٌ بالمنقول عنه إلا أن يجيء عن الناقل ما يبين أنه لم يسمعه من المنقول عنه؛ وذلك مثل أن يقول الناقل: "بلغني" أو "سمعت أن فلانًا قال كذا" وانتهى ذلك إلينا، وشبهه من الألفاظ، فذلك غير متصلٍ؛ لأنه ليس في مقام من قال " حدثني " من لم يسمه؛ لأن هذا قد بيّن أن ناقلاً نقله إليه؛ يسميه ويعينه عن المنقول عنه، وذلك الآخر أهمل القول.
فصل
وإذا ذكر التابعي ما كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووصف قول النبي صلى الله عليه وسلم، وسمى الصحابي بما كان منه فليس ذلك من البين الاتصال حتى تكون حكايته لذلك عن قول الصحابي.
وذلك مثل أن تقول عمرة بنت عبد الرحمن: كان من النبي صلى الله عليه وسلم في أمر كذا كذا، فقالت له عائشة رضي الله عنها: كذا.
فليس في هذا ما يرفعه /5ب/ ويوصله، على أنه قد يُخَرّج مثل هذا في المسند من يقصد إلى ذكر اختلاف اللفظ في الحديث الواحد واضطراب الناقلين له، فنذكره على سبيل التنبيه على الخلاف فيه.
فأما إن قالت عمرة: قالت عائشة رضي الله عنها أُتي النبي صلى الله عليه وسلم في كذا، أو سئل عن كذا، فقال فيه كذا ... فهو متصلٌ، وإن لم تقل عمرةُ " حدثتني عائشة " وكذلك ما أشبهه،وهذا على ما قدمناه إذا كان الناقل ممن أدرك المنقول عنه.
فصل
وقد يحكي الصحابي قولاً لا يضيفه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلا يسميه، بل يوقفه على نفسه، فيخرجه أهل الحديث في المسند المتصل بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ لامتناع ذلك من أن يكون الصحابي يقوله رأيًا دون التوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم.
ومثال ذلك: ما حدثناه أبو بكر عبد الرحمن بن أحمد المعدّل، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، قال: حدثنا محمد بن عمر بن لبابة، قال: حدثنا يحيى بن إبراهيم بن (مزبن) قال: حدثنا مطرف بن عبد الله، عن مالك، عن مسلم بن أبي مريم، عن أبي صالح السمان، عن أبي هريرة، أنه قال: نساءٌ كاسيات عاريات مائلات مميلات لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وريحها يوجد من مسيرة خمس مائة سنة.
ومثال /6أ/ ذلك أيضًا: ما حدثناه عبيد الله بن سلمة بن حزم المكتب، قال: حدثنا عمر بن محمد المقرئ، قال: حدثنا أحمد بن الحسن الفارسي – يعرف: بالممتّع – قال: حدثنا أحمد بن محمد بن إسماعيل – يعرف بالسيوطي – قال: حدثنا محمد بن إشكاب، قال: حدثنا أبو المنذر إسماعيل بن عمر، قال: حدثنا حمزة بن حبيب الزيات، عن علي بن ثابت، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال: خير بني آدم خمسة؛ نوحٌ وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم السلام، وخيرهم محمد.
قال أبو عمرو: هذا الحديثان وشبههما لا يجوز أن يقالا بالرأي والاستنباط، إنما يقال مثل هذا على التوقيف، فلذلك دخل في جملة المسند؛ لأن الصحابي لا يقول من رأيه.
فصل
فأما من لا يعرف أنه أدرك من يُحدث عنه فذلك لا يتحمل اتصال حديثه بل يطلق عليه الإرسال.
ومثال ذلك: ما حدثناه إبراهيم بن سعدون المقرئ، قال: حدثنا أحمد بن محمد المكي، قال: حدثنا علي بن عبد العزيز، قال: حدثنا القعنبي، عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن الصنابحي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الشمس تطلع ومعها قرنٌ للشيطان .... الحديث ".
وكذلك قوله: " إذا توضأ العبد المؤمن .... "
وشبهه ذلك إذا ورد عمن لا تعرف له صحبة فلا يصح (دروكه) من يروي عنه.
قال أبو عمرو: فهذا معرفة المسند من الآثار/6ب/ مفسرًا لجميع أنواعه وضروبه وأقسامه .... وبالله التوفيق
باب ذكر بيان المرسل من الآثار وتفصيله
قال عثمان بن سعيد: والمرسل من الحديث ما يرويه المحدث بأسانيد متصلة إلى التابعي، فيقول التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكذلك سبيل ما أرسله أتباع التابعين ومن دونهم من العلماء عند عامةِ الكوفيين، وخولفوا في ذلك.
ومذهب علي بن المديني وجماعة إليه: أن ما أرسله أتباع التابعين ومن دونهم نحو: ابن وهب، عن مسلمة بن علي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ....
وشبه ذلك فهو يسمى " معضلاً "
وهذا الضرب الذي ذكرناه من المرسل قل ما يتعذر معرفته على الطالبين، وهو مثل: الزهري، عن ابن المسيب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ...
¥