ومثال ذلك: ما حدثناه محمد بن أحمد بن علي البغدادي، قال: حدثنا أحمد بن موسى، قال: حدثنا العباس بن محمد الدوري، قال: حدثنا أيو يحيى الحماني، قال: حدثنا الأعمش /8ب/ عن حبيب، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن عبد الله بن مسعود، قال: اتبعوا ولا تبتدعوا، فقد كفيتم.
وهذا مثلٌ لسائر ما يرد من نحوه موقوفًا على الصحابة.
فصل
وأما الخفي من الموقوف، فمثاله: ما أخبرناه عبد الملك بن الحسن، قال: حدثنا محمد بن عبد الله الحافظ، قال: حدثنا الزبير بن عبد الواحد، قال: حدثنا محمد بن أحمد (الزيبقي) قال: حدثنا زكريا بن يحيى المنقري، قال: حدثنا الأصمعي، قال: حدثنا كيسان مولى هشام بن حسان، عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن المغيرة بن شعبة، قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرعون بابه بالأظافير.
فهذا ربما تأمله من ليس من أهل الحديث فظن أنه مسندٌ؛ لذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس كذلك، إنما هو موقوفٌ على صحابيٍ حكى عن أقرانه من الصحابة فعلاً، وليس يسنده واحدٌ منهم، وكذلك سبيل ما يرد من مثل ذلك عن الصحابة.
فصل
ومن الموقوفات أيضًا ما حدثناه أحمد بن إبراهيم، قال: حدثنا سعيد بن عبد الرحمن، قال: حدثنا ابن عيينة، عن خصيب، عن مقسم، عن ابن عباس في قوله " فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ". قال: الرفث الجماع، والفسوق المعاصي، والجدال أن تماري صاحبك حتى تغضبه.
وهذا وما أشبهه من الموقوفات يعد من تفسير الصحابة، وقد يرد عنهم تفسير يُعد في المسند دون الموقوف.
ومثال ذلك /9أ/: ما حدثناه عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد الفرائضي، قال: حدثنا محمدبن عبد الله بن صالح ببغداد، قال: حدثنا أحمد بن عمير، قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي أويس، قال سليمان بن بلال، عن زيد بن اسلم، عن ابن عمر: أن رجلاً أتى امرأة من دبرها فوجد في نفسه من ذلك وجدًا شديدًا، فأنزل الله عز وجل " نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ".
قال أبو عمرو: فهذا وما أشبهه مسندٌ غير موقوفٍ؛ لأن الصحابي المشاهد للوحي والتنزيل أخبر عن آية من القرآن أنها نزلت في كذا وكذا، فهذا حديثٌ مسندٌ كما قد بيناه في المسند قبلُ.
فصل
ومن الموقوفات ما يرسل قبل الوصول إلى الصحابي، ومعرفة ذلك من أصعب ما في هذا الباب.
ومثال ذلك: ما حدثناه محمد بن عبد الله الفقيه، قال: حدثنا وهب بن ميسرة، قال: حدثنا ابن وضاح، عن الصمادحي، عن ابن مهدي، عن سفيان الثوري، عن حماد بن زيد، عن إبراهيم، عن ابن مسعود: اتبعوا ولا تبتدعوا، فقد كفيتم.
فهذا موقوفٌ على ابن مسعود، ومرسلٌ قبل التوقيف؛ لأن إبراهيم لم يدركه.
ومثال ذلك: ما أخبرناه عبد الملك بن الحسين، قال: حدثنا محمد بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن يعقوب، قال: حدثنا بحر بن نصر، قال: حدثنا ابن وهب، قال أخبرني محمد بن عمرو، عن ابن جريج، عن سليمان بن موسى، قال: قال جابر بن عبد الله: إذا صمتَ فليصم سمعك وبصرك من المحارم، ولسانك من الكذب، ودع/9ب/ أذى الخادم، وليكن عليك وقارٌ وسكينةٌ، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء.
فهذا الحديث يتوهمه من ليس الحديث من صناعته أنه موقوفٌ على جابر فقط، وهو موقوفٌ ومرسل قبل التوقيف؛ لأن سليمان بن موسى الأشدق لم يسمع من جابر، ولم يره، بينهما عطاء بن أبي رباح. في نظائر لهذا كثيرة لا يعرفها إلا أهل التمييز من أصحاب الحديث.
قال أبو عمرو: ومحمد بن عمرو الذي روى عنه ابن وهبٍ ليس بابن علقمة المدني؛ لأنه لم يلقه ولا روى أيضًا عن ابن جريج، وهو رجلٌ آخر يعرف باليافِعي، شيخ من أهل مصر مشهور.
فصل
ومن الموقوفات أيضًا ما هي مسندة في الأصل إلا أن بعض الرواة يقصر بها فلا يسندها، ويوقفها على الصحابي، ويسندها غيره فتعد في جملة المسندة، ولا يعرف ذلك إلا من الفرسان من حفاظ الحديث.
ومثال ذلك: ما أخبرناه أحمد بن فراس، قال: حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد المقرئ، قال: حدثني جدي، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن منصور، عن ربعي بن حراش، عن أبي مسعود، قال: فيما حفظ من كلام النبوة؛ إذا لم تستحي فاصنع ما شئت.
فهذا الحديث قصر به ابن عيينة عن منصور، وتابعه روح بن القاسم عنه على ذلك، فأوقفاه، وأسنده الثوري وشعبة/10أ/ وغيرهما، عن منصور
¥