وقد رسم أسلوب الفاتحة للمنشئين ثلاث قواعد للمقدمة: القاعدة الأولى: إيجاز المقدمة لئلا تمل نفوس السامعين بطول انتظار المقصود وهو ظاهر في الفاتحة، وليكون سنة للخطباء فلا يطيلوا المقدمة كي لا ينسبوا إلى العي فإنه بمقدار ما تطال المقدمة يقصر الغرض، ومن هذا يظهر وجه وضعها قبل السور الطوال مع أنها سورة قصيرة. الثانية: أن تشير إلى الغرض المقصود وهو ما يسمى براعة الاستهلال لأن ذلك يهيئ السامعين لسماع تفصيل ما سيرد عليهم فيتأهبوا لتلقيه إن كانوا من أهل التلقي فحسب، أو لنقده وإكماله إن كانوا في تلك الدرجة، ولأن ذلك يدل على تمكن الخطيب من الغرض وثقته بسداد رأيه فيه بحيث ينبه السامعين لوعيه، وفيه سنة للخطباء ليحيطوا بأغراض كلامهم. وقد تقدم بيان اشتمال الفاتحة على هذا عند الكلام على وجه تسميتها أم القرآن. الثالثة: أن تكون المقدمة من جوامع الكلم وقد بين ذلك علماء البيان عند ذكرهم المواضع التي ينبغي للمتكلم أن يتأنق فيها. الرابعة: أن تفتتح بحمد الله. ()
وهو من المكثرين جدا في الاستدلال بالشعر في أصل الكتاب وحاشيته وقلما تمر صفحة إلا وفيها بيت من الشعر إن لم يكن أكثر.
وهو حريص جدا على نسبة الشواهد الشعرية لأصحابها حتى إنه قال فيما لم يقف على من قاله: كقول بعض فتاك العرب في أمه (أنشده في الكشاف ولم أقف على تعيين قائله) … ().
ومن مواضع خروجه عن التفسير استطراده في تسمية بعض الشعراء تعليقا على اسم شاعر استدل ببيت له. ()
ومن استطراداته بذكر أشعار كثيرة كشواهد في مسألة واحدة ماذكره تحت قوله تعالى ? الم ? ()
وقد وصل به الأمر إلى شرح شعر الشواهد. ()
وهو يعتمد في كثير من ذلك على الكشاف وشروحه اعتمادًا كبيرًا.
ومن مواضع اهتمامه بالتنبيه على النكات البلاغية:
واختيار لفظ النور في قوله تعالى?ذهب الله بنورهم? () دون الضوء ودون النار لأن لفظ النور أنسب، لأن الذي يشبه النار من الحالة المشبهة هو مظاهر الإسلام التي يظهرونها، وقد شاع التعبير عن الإسلام بالنور في القرآن، فصار اختيار لفظ النور هنا بمنزلة تجريد الاستعارة لأنه أنسب بالحال المشبهة، وعبر عما يقابله في الحال المشبه بها بلفظ يصلح لهما أو هو بالمشبه أنسب في إصطلاح المتكلم كما قدمنا الإشارة إليه في وجه جمع الضمير في قوله ? بنورهم ?. ()
وانظر كلامه عن المثل في اللغة والتمثيل. ()
وله كلام جيد عن التشبيه في قوله ?ومثل الذين كفروا? ()
وفي الاستعارة هل هي تبعية أم تمثيلية؟ ()
ومن اهتمامه بالتنبيه على النكات في المتشابه اللفظي قوله:
قد يقول قائل إن قريبًا من هذه الجملة تقدم عند قوله تعالى ?قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير? () فعبر هنالك باسم الموصول (الذي) وعبر هنا باسم الموصول (ما)، وقال هنالك (بعد) وقال هنا (من بعد) وجعل جزاء هنالك انتفاء ولي ونصير، وجعل الجزاء هنا أن يكون من الظالمين، وقد أورد هذا السؤال صاحب درة التنزيل وغرة التأويل وحاول إبداء خصوصيات تفرق بين ما اختلفت فيه الآيتان ولم يأت بما يشفي ….ثم ذكر وجهًا آخر أحسن منه. ()
وقد تعرض المصنف للإعجاز في مواضع عدة ومن ذلك:
مقارنة بين شعر وآية ()
الإعجاز وتعلقه بسورة أو آيات ()
وقد أطال في الحديث عن الإعجاز تحت قوله ?ولن تفعلوا? (). ()
تاسعا: موقفه من القراءات:
وقد جعل المصنف المقدمة السادسة في القراءات وبين فيها سبب إعراضه عن ذكر كثير من القراءات في أثناء التفسير. ()
وقال رحمه الله:
(تنبيه) أنا أقتصر في هذا التفسير على التعرض لاختلاف القراءات العشر المشهورة خاصة في أشهر روايات الراوين عن أصحابها لأنها متواترة، وإن كانت القراءات السبع قد امتازت على بقية القراءات بالشهرة بين المسلمين في أقطار الإسلام.
وأبني أول التفسير على قراءة نافع برواية عيسى بن مينا المدني الملقب بقالون لأنها القراءة المدنية إماما وراويًا ولأنها التي يقرأ بها معظم أهل تونس، ثم أذكر خلاف بقية القراء العشرة خاصة. ()
ولم يلتزم بما قال، بل أطنب إطنابا غريبا في بعض المواضع ومن ذلك قوله:
¥