تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأيضا روى الإمام الطبراني في (معجمه الكبير) بإسناد جيد عن ابن مسعود أنه خرج مع صاحبين له من بيته الى المسجد لصلاة الجماعة، وإذا به يرى الناس يخرجون من المسجد وقد انتهوا منها، فعاد وصلى بهما إمام في بيته، فرجوع ابن مسعود- وهو من هو في صحبته للرسول?وفي معرفته وفقهه للإسلام-لو كان يعلم مشروعية تعدد الجماعات في المسجد الواحد لدخل بصاحبيه وصلى بهما جماعة؛ لأنه يعلم قول الرسول?: "أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة". فما الذي منع ابن مسعود أن يصلي هذه المكتوبة في المسجد؟ علمه انه إن صلاها في المسجد فسيصليها وحده، فرأى أن يجمع بهما في بيته أفضل من ان يصل هو ومن معه، كل على انفراد في المسجد.

فهذه المجموعة من النقول تؤيد وجهة نظر الجمهور الذين كرهوا تعدد الجماعة في المسجد الموصوف بالصيغة السابقة.

ثم لا يعدم الإنسان أن يجد أدلة أخرى مع شئ من الاستنباط والنظر الدقيق فها، فقد روى الإمامان البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله ?:" لقد هممت أن آمر رجلا فيحتطبوا حطبا، ثم أخالف إلى أناس يدعون الصلاة مع الجماعة فأحرق عليهم، والذي نفس محمد بيده، لو يعلم أحدهم انه يجد في المسجد مرماتين حسنتين لشهدهما"؛ ففي هذا الحديث تهديد الرسول ? المتخلفين عن حضور صلاة الجماعة في المسجد بالتحريق بالنار، فانا أرى أن هذا الحديث وحده يشعرنا بالحكم السابق، أو يشعرنا بما ذكر الإمام الشافعي ووصله ابن أبي شيبة؛ وهو أن الصحابة لم يكونوا يكررون الصلاة جماعة في المسجد، ذلك لأننا إن سوغنا أن الجماعة الثانية والثالثة كانت مشروعة في المسجد، ثم جاء هذا الوعيد الشديد من رسول ? للمتخلفين عنها، ويترتب على تخلفهم عنها هذا الوعيد الشديد؟

فإن قيل: هي الجماعة الأولى.

قيل: إذن هذه الجماعة الأخرى غير مشروعة، وإن قيل: إن هذا الوعيد إنما يشمل المتخلف عن كل جماعة مهما كان رقمها التسلسلي؛ حينئذ لم تقم الحجة من رسول الله? مطلقا على أي متخلف عن أي جماعة؛ لأنه لو فاجأ بعض المتخلفين حينما أناب عنه، فجاء إلى بيوتهم فوجدهم يلهون مع نسائهم وأولادهم فأنكر عليهم: لماذا لا تذهبون للصلاة مع الجماعة؟ فيقولون: نصلي مع الجماعة الثانية أو الثالثة، فهل تقوم حجة للرسول? عليهم؟ لذلك فإن هم الرسول? بإنابة شخص يقوم مقامه، وأن يفاجئ المتخلفين عن صلاة الجماعة فيحرق عليهم بيوتهم-لأكبر دليل على انه لم يكن هناك جماعة ثانية إطلاقا. هذا بالنسبة إلى النقول التي اعتمد عليها العلماء.

أما النظر؛ فهو على الوجد الآتي: صلاة الجماعة قد جاء في فضلها أحاديث كثيرة منها الحديث المشهور"صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس وعشرين- وفي رواية: بسبع وعشرين-درجة" فهذه الفضيلة إنما جاءت لصلاة الجماعة.

وجاء في بعض الأحاديث:"أن صلاة الرجل مع الرجل أزكى عند الله من صلاته وحده، وصلاة الرجل مع رجلين أزكى عند الله من صلاته مع رجل"، وهكذا كلما كثرت الجماعة وأفرادها، تضاعف أجرها عند ربها.

فإذا تذكرنا هذا المعنى ثم نظرنا عاقبة القول بجواز تكرار الجماعة في المسجد الذي له إمام راتب فإن هذه العاقبة أسوأ عاقبة بالنسبة لمثل هذا الحكم الإسلامي ألا وهو صلاة الجماعة؛ ذلك لأن القول بتكرار الجماعة سيؤدي إلى تقليل عدد الجماعة الأولى، وهذا ينقض الحث الذي يفيده حديث:" صلاة الرجل مع الرجل أزكى عند الله من صلاته وحده ... "؛لان هذا الحديث يحض على تكثير الجماعة، والقول بتكرار الجماعة في المسجد يؤدي –بالضرورة إلى تقليل عدد أفراد الجماعة الشرعية الأولى، وتفريق وحدة المسلمين.

وشئ أخر يقتضيه النظر السليم وهو أن نتذكر أن حديث ابن مسعود في (صحيح مسلم) نحو حديث ابي هريرة:"لقد هممت أن آمر رجلا فيصلي بالناس ..... إلى آخره "،جاء هذا الحديث في حق المتخلفين عن صلاة الجمعة، فإذا علمنا أن ابن مسعود صب وعيدا من نوع واحد على كل ممن يتخلف عن صلاة الجمعة، وعن صلاة الجماعة، حينئذ نعرف أن هاتين الصلاتين من حيث التصاقهما بصلاة الجماعة فإن هذا الوعيد يعني ان لا جماعة ثانية بعد كل من الصلاتين؛ فصلاة الجمعة-حتى ان-حافظ على وحدتها وعلى عدم القول بمشروعية تعددها في المسجد الواحد جميع العلماء على اختلاف مذاهبهم، لذلك تجد المساجد غاصة بالمصلين يوم الجمعة، وإن كان لا يفوتنا أن نتذكر أن من

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير