تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أسباب امتلاء المساجد يوم الجمعة هو أن هناك من يحضر الجمعة ولا يحضر الصلوات الأخرى، ولكن مما لا شك فيه أن امتلاء المساجد يوم الجمعة بالمصلين سببه أن المسلمين لم يتعودوا-والحمد لله-أن يكرروا صلاة الجمعة في المسجد الواحد، فلو أن المسلمين عاملوا صلاة الجماعة كما عاملوا صلاة الجمعة وكما كان الأمر عليه في عهد الرسول?، لكادت المساجد أن تمتلئ بالمصلين، لأن كل حريص على الجماعة سيكون قائما في ذهنه أنه إن فاتته الصلاة الأولى، فلا يمكن له أن يتداركها فيما بعد، فيكون هذا الاعتقاد حافزا له على الحرص الشديد على صلاة الجماعة، والعكس بالعكس تمام، إذا قام في نفس المسلم أنه إن فاتته هذه الجماعة الأولى فيوجد جماعة ثانية وثالثة .... وعاشرة أحيانا، فهذا مما سيضعف همته وحرصه عن الحضور للجماعة الأولى.

بقي لدينا أمران اثنان:

الأول-أن نبين أن الذين ذهبوا إلى عدم مشروعية الجماعة الثانية على التفصيل السابق، وكراهة فعلها هم جمهور الأئمة من السلف، وفيهم الأئمة الثلاثة: أبو حنيفة ومالك والشافعي، والإمام احمد معهم في رواية، لكن هذه الرواية غير مشهورة عند أتباعه اليوم، وإن كان ذكرها أخص تلامذته وهو أبو داود السجستاني؛ فقد روى عنه في كتاب (مسائل الإمام أحمد) أنه قال: "إن تكرار الجماعة في المسجدين الحرمين أشد كراهة"، فهذا-من باب التفضيل-يشعرنا بأن الكراهة في المساجد الأخرى موجودة بتكرار الجماعة؟، ولكنها أشد في المسجدين، وهو في هذه الرواية يلتقي مع الأئمة الثلاثة.

الثاني-أن الرواية الأخرى عن الإمام أحمد والمشهورة عن اتباعه فعمدته فيها هو ومن تابعه من المفسرين حديث يرويه الترمذي والإمام أحمد وغيرهما من حديث أبي سعيد الخدري، أن رجلا دخل المسجد والرسول?قد صلى وحوله أصحابه، فأراد هذا الرجل أن يصلي، فقال عليه الصلاة والسلام: "ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه"، فقام رجل فصلى معه، وفي رواية لأبي بكر البيهقي في (سننه الكبرى) أن هذا الرجل هو أبو بكر الصديق، لكن هذه الرواية في إسنادها ضعف، والرواية الصحيحة لم يسم فيها الرجل، فقد احتجوا بهذا الحديث وقالوا: إن الرسول? أقر الجماعة الثانية!

والجواب على هذا الاستدلال هو أن نلاحظ أن الجماعة التي تضمنها الحديث هي جماعة إنسان دخل المسجد بعد الجماعة الأولى، ويريد أن يصلي وحده، فحض الرسول? أصحابه الذين كانوا قد صلوا معه أن يقوم أحدهم فيتطوع ويصلي نافلة، ففعل وكذلك وقع؛ فهذه الجماعة مؤلفة من شخصين: إمام ومأموم، الإمام مفترض والمأموم متنفل، فمن هو الذي عقد هذه الجماعة؟ لولا المتنفل ما كان هناك جماعة، إذن هذه الجماعة تطوع وتنفل، وليست جماعة فريضة، والخلاف إنما يدور حول جماعة فريضة ثانية، ولهذا فإن الاستدلال بحديث أبي سعيد على موضع النزاع غير صحيح، والذي يؤكد هذا أن الحديث يقول:"ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه"، وهذه الحادثة-التي وقعت-فيها متصدق، وفيها متصدق عليه، فلو سألنا أقل الناس فهما وعلما: من المتصدق؟ ومن المتصدق عليه في هذه الحالة التي أقرها الرسول?؟ سيكون الجواب: المتصدق هو المتنفل الذي صلي الفريضة وراء رسول الله?، والمتصدق عليه هو الذي جاء متأخرا.

السؤال نفسه إذا طرحناه في الجماعة التي هي موضع النزاع: دخل ستة أو سبعة المسجد، فوجدوا الإمام قد صلى فأمهم أحدهم وصلى بهم جماعة ثانية، فمن هو المتصدق من هؤلاء، ومن هو المتصدق عليه؟ لا أحد يستطيع أن يقول كما استطاع أن يقول في الصورة الأولى، فهذه الجماعة التي دخلت بعد صلاة الإمام كلهم يصلي فرض الوقت، ليس هناك متصدق ولا متصدق عليه، وسر هذا واضح في الصورة الأولى: المتصدق هو الرجل المتنفل الذي صلى وراء الرسول? وكتبت صلاته بسبع وعشرين درجة، فهو إذن غني وبإمكانه أن يتصدق على غيره، والذي صلى إمام-ولولا ذلك المتصدق عليه لصلى وحيدا-فقير، وهو بحاجة إلى من يتصدق عليه؛ لأنه لم يكتسب ما اكتسب المتصدق عليه.

وواضح سبب كون هذا متصدقا وهذا امتصدقا عليه، أما في صورة النزاع فالصورة غير واضحة؛ لأنهم كلهم فقراء، كلهم فاتتهم فضيلة الجماعة الأولى فلا ينطبق قول الرسول?:" ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه"، فعلى مثل هذه الحالة لا يصح الاستدلال بهذه الحادثة، ولا على هذه المسألة التي هي موضع البحث.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير