تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إن كل ذلك يدل على أن ما فعلوه لا يغفره إلا الغفور فكأن هناك مقامات للمغفرة، وهذا المقام لله وحده. لذلك عقب بقوله (إنه هو الغفور الرحيم) أي وحده القادر على غفران هذا الذنب.

وفي آية الحجر سياق ومقام مختلف، فالمقام مقام الرد على إبليس وتوعده بإغواء الخلق، إلا عباد الله المخلصين، فجاءت الآيات لتقول لهؤلاء العباد رسالتين:الأولى: (أني أنا الغفور الرحيم) والأخرى: (وأن عذابي هو العذاب الأليم)

وكأنه تحدٍّ لإبليس حين قال (لأغوينهم) فقال الله تعالى: (أنا الغفور) (ومن يغفر الذنوب إلا الله) لكنه ألحقه بقوله (وان عذابي هو العذاب الأليم)) حتى لا يتكل العباد على المغفرة وتمضي النفوس حيث تشاء.

وفي سورة القصص يقترن السياق من سورة يوسف، فالذنب قتل خطأ لكن النتيجة (قتل) وهذا ذنب عظيم لا يغفره إلا الغفور فالآية تعقيب على قتل موسى للمصري، ثم قال (قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (القصص:16)

ولعل المغفرة هنا تفيد العفو والصفح، ومن آثار هذا العفو أن موسى نسي الذنب حتى قال مصري آخر لموسى (أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِالأمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الأرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ) (القصص:19)

وعليه فالمغفرة هنا صفح وعفو وعدم مؤاخذة. وهذه أيضاً يختص بها الله سبحانه ((إنه هو الغفور الرحيم .... )

وهكذا في كل السياقات التي يرد فيها اسمه (الغفور) معرفاً بأل يلحظ الاختصاص.

يقول الفخر: [قوله: إنه هو الغفور الرحيم) يفيد الحصر، ومعناه: لا غفور ولا رحيم إلا هو، وذلك يفيد الكمال في وصفه سبحانه بالغفران والرحمة.]

أما تنكير الكلمة فإن المعنى يبعد بها عن دلالة الاختصاص، ويدخلها في زمرة الأخبار البسيطة، حيث وردت جميع المواضع في صورة المبتدأ والخبر، أعني: (الله غفور رحيم) وتلك أبسط صور الجملة الخبرية التي تُلقى إلى المخاطب ابتداءً لتعليمه مضمون الخبر بعد أن عرف المبتدأ فيأتي الخبر ليفيد الحكم على هذا الاسم بأنه (غفور)

وحين تحدث الإمام عبد القاهر – رحمه الله – عن فروق في الخبر قال:

[ومن فروق الإثبات أنك تقول: زيد منطلق، وزيد المنطلق، والمنطلق زيد، فيكون لك في واحد من هذه الأحوال غرض خاص، وفائدة لا تكون في الباقي، وأنا أفسر لك ذلك:

أعلم إنك إذا قلت " زيد منطلق " كان كلامك مع من لا يعلم أن انطلاقاً كان لا من زيد ولا من عمرو فأنت تفيد ذلك ابتداءً.]

وإذا راجعت سياقات المواضع التي ذكر فيها اسمه (غفور)

وقد ورد في خمسة عشرة آية تجد أنها تدور حول هذا المعني أعني: إعلام السامع باتصاف الله بهذه الصفة: صفة المغفرة ابتداء، وقد يكون هذا الإعلام هو المقصود فقط، كما في قوله تعالى:

(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (لأنفال:70)

فهو إخبار بمغفرة الله تعالى إن دخلوا في الإسلام وقد كانوا أسرى ومازالوا علي كفرهم0

وقد يراد من وراء هذا الخبر معنى آخر وهو طمأنة السامع وتبشيره بأن ما يرجوه سيقع وذلك نحو قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (البقرة:218)

فلا يدعي أحد أن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا، لا يعرفون أن الله غفور ... إذن كلمة غفور هنا جاءت خبراً ليس لإعلامهم بل لتبشيرهم، فالمقصود لازم الفائدة كما يقول علماؤنا واصطفاء الاسم النكرة في هذه المواضع لأن المخاطب لا يشك ولا ينفي ولا يتردد بين أكثر من (غفور) فهو يعلم أنه غفور واحد لذلك ذُكِّر به تبشيراً له وجيء بصيغة فعول وبدون أل للإشارة إلى عظم هذه المغفرة، وكثرتها 0

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير