ومنه من يقوم بجهد كبير مضن في إطلاع الناس على ما يفعله العدو، من ظلم وتدمير وخراب في حينه، ويكشفه للعالم ويفضحه، رضي من رضي، وكره من كره، ويدفع جنوده في ذلك ثمنا باهظا، عَرَّضوا أنفسهم من أجله في كثير من الأحيان للموت، وللسجن والمساءلة من الغزاة وأعوانهم وعملائهم، ولا شك أن من احتسب ذلك منهم لله، وهو مؤمن، وجد جزاءه عند ربه أجرا عظيما، ومُلْكا كبيرا.
لكن هذا كله هو الجزء الأول من رسالة الإعلام، وهو ما يمكن أن نسميه تشخيص الداء، وتوصيفه، وتوصيله لكل من يعنيه، ليهب للنجدة والفداء، والجزء الآخر الأهم في رسالة الإعلام مفقود، أو يكاد، فهو مقصّر فيه تقصيرا كبيرا، مقصر في وصف الدواء، بالتعبئة وتوعية الشعوب المسلمة بواجبها، وما تفعله نحو قضاياها في وجه المحتل، وتبصير الفرد المحتار من عامة المسلمين الذي لا يعرف دوره في المعركة، بالذي يجب أن يقدمه، مما هو في مقدوره ويغفل عنه.
على الإعلام أن يبصر الناس أولا بعدوهم من هو؟ ويسميه باسمه، دون تعميم وتعويم، هناك تعتيم وضبابية على العامة وغض نظر عن العدو الأمريكي الذي يحارب في أكثر من دولة في بلاد المسلمين، ويتبنى مع العدو الصهيوني إلى اليوم وغد احتلال فلسطين، وتدمَّر أرض فلسطين بسلاحه ودعمه، الإعلام لا يطالب باتخاذ أي عمل ضده بخصوصه في مقدور الناس عمله، لا يستضيف المختصين والخبراء الذين يقدمون للأمة وجوها عملية ممكنة التطبيق لمقاومته، بعيدا عن قرارات الحكام الميؤوس منها، الدعاة أنفسهم والعلماء في القنوات الفضائية لا يسمون للعامة هذا العدو باسمه، ويتحاشون ذكره، حتى حين يدعون الله تعالى على عدوهم لا يسمون كل عدو، يسمون عدوا ويتركون آخر، شره على المسلمين مستطير، ووباله شديد، ولا يطالبون الناس بعمل شيء نحوه يقدرون عليه، ينتصرون به للمستضعفين والمظلومين، في العراق وفلسطين، وفي غيرهما من بلاد المسلمين، الدعاة في الإعلام، الناس تسمع إليهم، ولكلامهم وزن لديهم، وهم خليقون بذلك، وجديرون به، فهم يبلغون عن ربهم، ويحملون رسالة نبيهم، وبين القرآن لهم وظيفتهم ×لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ÷ () وأنزلهم منزلتهم ×يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ? ÷ ().
عندما بين العلماء والدعاة للناس في وقت من الأوقات أن عليهم مقاطعة السلع الدانمركية وسموها باسمها ودعوا الأمة إلى ذلك، جنى المسلمون ثمار هذه الدعوة سراعا، امتثل الناس، وفعلت المقاطعة فعلها، وجاءت الدانمرك بوزرائها وسفرائها متوسلة: عفا الله عما سلف، فعفا المسلمون، وسكت الإعلام، وانتهى الدور، لأننا لم نتعود عملا ممنهجا طويل الأمد، يغير من واقعنا المؤلم، ويكون درسا لعدونا لا ينساه، ذلك تركناه لأعدائنا يخططون به لاحتوائنا، والهيمنة علينا!!
على الإعلام إن كان يريد دورا حقيقيا في المعركة أن يلتفت إلى هذا الجانب، ويكشف للناس عدوهم ويسميه باسمه، ويوجههم إلى ما يجب عليهم فعله، مما يكون له مع الأيام أثر فعال على قضايهم لو استغلوه، أم الإعلام أيضا يخشى السطوة الأمريكية، وسطوة حكامه إن فعل؟ وبذلك تصدق المقولة: الإعلام في العالم يسيطر عليه اليهود.
كان للإعلام دور في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، إبان نضال الجزائريين، وقتالهم للفرنسي المحتل، فكان الإعلام المقروء والمسموع يلهب عواطف المسلمين ويؤججها أينما حلوا، وحيثما كانوا، العام كله، ويعبئهم ويدفعهم إلى النصرة والعون، والتبرع للمجاهدين وحمايتهم، وتحويلهم جميعا إلى خط دفاع ثان، آزرٍ للمجاهدين، ومكوّن عمقا في أراضيهم للمناضلين، وأجبر الحكومات بدوره الفعال عن أن تغض نظرها عن ذلك، وقد آتت جهوده نتائج طيبة آنذاك، وأسهم الإعلام إسهاما حقيقيا في المعركة، فلم يحرم شرف الحهاد.
الإعلام اليوم، حتى من اتصف منه بالمهنية والموضوعية، تراه تحت ذريعة هذه الموضوعية يبالغ، فيبرز جوانب سلبية عن المعركة والقضية، شعر أو لم يشعر، الحرب النفسية أثناء القتال سلاح فتاك، فلا ينبغي شرح الخطط والتكتيك والتفصيل لكل شيء مما يجري على أرض المعركة، مما قد يكون لصالح العدو، في هذه التفاصيل أثناء المعارك ما يكون كشفا للعورات يستفيد منه العدو، ويعطى مراسلو الإعلام على أرض المعركة مجانا، معلومات للعدو كان يشتريها بالمال، كما أن الكلام على تفوق العدو وسيطرته على أرض المعركة، وتفصيل الخسائر العسكرية لحاملي السلاح والمقاومين في حينها محبط، لأن الحرب كر وفر، والجميع يعلمون أنها غير متكافئة، فلا تنبغي المبالغة في توصيف ما يُثَبِّط، وليس في ذلك بأس إن كان التفصيل بإظهار جرائم العدو في صفوف المدنيين وبثها للعالم، لأن ذلك دعم للحرب الإعلامية على العدو، فلينتبه الإعلام الذي أخلص نفسه لخدمة المعركة.
من المبالغة في الموضوعية التي ينبغي التنبه إليها، أننا نجد في الإعلام من يبث في وقت واحد رسائل الضحية والجلاد، ويتيح للجلاد الفرصة ليجادل عن الباطل والبهتان، ويجعل الإعلام بذلك من نفسه بوقا لإذاعة وبث دجل الكذاب، ثم يقول المضيف للدجال في نهاية كلامه: شكرا يا فلان من واشنطن، أو من فلسطين المحتلة. الشكر عن ماذا؟! عن اللصوصية والإجرام، وسلق المناضلين والمقاومين بألسنة حداد!! وهذا ناتج دون شك عن غياب المسئولية الدينية، والرقابة الشرعية في مؤسساتنا الإعلامية.
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
1 محرم 1430 هـ، الموافق 29/ 12 / 2008
¥