تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

و قد ذكر المفسرون هنا جملة من الأحاديث في هذا المعنى فارجع إليها إن شئت .. «2».

ثم انتقلت الآيات إلى توبيخهم على أمر آخر، و هو غفلتهم عن قدرة اللّه- تعالى- و وحدانيته و هم يشاهدون آثار قدرته أمام أعينهم فقال- تعالى-: فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ. وَ أَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ. وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَ لكِنْ لا تُبْصِرُونَ، فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ.

و لو في الموضعين للتحضيض على التذكر و الاعتبار، و لإبراز عجزهم في أوضح صورة، إذ إظهار عجزهم هو المقصود هنا بالحض ..

و قوله إِذا بَلَغَتِ ظرف متعلق بقوله تَرْجِعُونَها أى: تردونها، و قد قدم عليه لتهويله، و التشويق إلى الفعل المحضوض عليه، و هو إرجاع الروح إلى صاحبها.

و الضمير في بَلَّغْتَ يعود إلى الروح، و هي و إن كانت لم تذكر إلا أنها مفهومه من الكلام.


(1) تفسير الآلوسى ج 27 ص 156.
(2) راجع تفسير ابن كثير ج 4 ص 299. و تفسير القرطبي ج 17 ص 228.
التفسير الوسيط للقرآن الكريم، ج 14، ص: 188
و الحلقوم: مجرى الطعام و أل فيه للعهد الجنسي.
و جملة: وَ أَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ حال من ضمير بَلَغَتِ، و مفعول تَنْظُرُونَ محذوف و التقدير: تنظرون و تبصرون صاحب الروح و هو في تلك الحالة العصيبة.
و جملة تَرْجِعُونَها ... جواب الشرطين في قوله: إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ و في قوله: إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ.
و جملة وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ مستأنفة لتأكيد توبيخهم على جهالاتهم و عدم اعتبارهم حتى في أوضح المواقف التي تدل على قدرة خالقهم- عز و جل-.
و المعنى: إذا كنتم- أيها الجاحدون المكذبون- لم تعتبروا و لم تتعظوا بكل ما سقناه لكم من ترغيب و ترهيب على لسان رسولنا محمد صلى اللّه عليه و سلم فهلا اعتبرتم و اتعظتم و آمنتم بوحدانيتنا و قدرتنا .. حين ترون أعز و أحب إنسان إليكم، و قد بلغت روحه حلقومه، و أوشكت على أن تفارق جسده ...
وَ أَنْتُمْ أيها المحيطون بهذا المحتضر العزيز عليكم حِينَئِذٍ أى: حين وصل الأمر به إلى تلك الحالة التي تنذر بقرب نهايته، أنتم تَنْظُرُونَ إلى ما يقاسيه من غمرات الموت، و تبصرون ما فيه من شدة و كرب، و تحرصون كل الحرص على إنجائه مما حل به و لكن حرصكم يذهب أدراج الرياح.
وَ نَحْنُ في هذه الحالة و غيرها، أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ أى: و نحن أقرب إليه منكم بعلمنا و بقدرتنا، حيث إنكم لا تعرفون حقيقة ما هو فيه من أهوال و لا تدركون عظيم ما فيه من كرب، و لا تقدرون على رفع شي ء من قضائنا فيه و في غيره.
و قوله: وَ لكِنْ لا تُبْصِرُونَ استدراك للكلام السابق. أى: و نحن أقرب إلى هذا المحتضر منكم، و لكنكم لا تدركون ذلك لجهلكم بقدرتنا النافذة، و حكمتنا البالغة ..
فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ أى: فهلا إن كنتم غير عاجزين عن رد قضائنا في هذا المحتضر الحبيب إليكم، و غير مربوبين لنا، و خاضعين لسلطاننا .. يقال: دان السلطان الرعية، إذا ساسهم و أخضعهم لنفوذه.
هلا إن كنتم غير خاضعين لنا تَرْجِعُونَها أى: ترجعون الروح إلى صاحبها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ في اعتقادكم بأن آلهتكم تستطيع الدفاع عنكم و في اعتقادكم أنه لا بعث و لا حساب بعد الموت، و في توهمكم أن هناك قوة سوى قوة اللّه- عز و جل- يمكنها أن تساعدكم عند الشدائد و المحن. التفسير الوسيط للقرآن الكريم، ج 14، ص: 189
و هكذا نجد هذه الآيات الكريمة، تقيم أوضح الأدلة و أكثرها تأثيرا في النفوس، على كمال قدرة اللّه- تعالى- و على نفاذ مشيئته و إرادته ...
فهي تتحدى البشر جميعا أن يعيدوا الروح إلى أحب الناس إليهم، و هم واقفون من حوله وقفة الحائر المستسلم. العاجز عن فعل أى شي ء من شأنه أن يدفع عن هذا المحتضر ما فيه من كرب، أو أن يؤخر انتزاع روحه من جسده، و لو لزمن قليل ..
ثم تمضى السورة الكريمة بعد ذلك، في بيان مصير هذه الروح، التي توشك أن تستدبر الحياة الفانية، و تستقبل الحياة الباقية فتقول: فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَ رَيْحانٌ وَ جَنَّةُ نَعِيمٍ.
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير