تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

و الروح: بمعنى الراحة و الأمان و الاطمئنان و الريحان شجر طيب الرائحة.

أى: فأما إن كان صاحب هذه النفس التي فارقت الدنيا، من المقربين إلينا السابقين بالخيرات .. فله عندنا راحة لا تقاربها راحة، و له رحمة واسعة، و له طيب رائحة عند قبض روحه، و عند نزوله في قبره، و عند وقوفه بين أيدينا للحساب يوم الدين، و له جنات ينعم فيها بما لا عين رأت، و لا أذن سمعت، و لا خطر على قلب بشر.

وَ أَمَّا إن كان هذا الإنسان مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ و هم الذين ثقلت موازين حسناتهم ..

فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ أى: فتقول له الملائكة عند قبض روحه و في قبره، و في الجنة، سلام لك يا صاحب اليمين، من أمثالك أصحاب اليمين.

قال الآلوسى: و قوله: فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ قيل هو على تقدير القول.

أى: فيقال لذلك المتوفى منهم: سلام لك يا صحاب اليمين من إخوانك أصحاب اليمين.

و جوز أن يكون المعنى: فسلامة لك عما يشغل القلب من جهتهم فإنهم في خير. أى: كن فارغ البال من جهتهم فإنهم بخير.

و ذكر بعض الأجلة أن هذه الجملة، كلام يفيد عظمة حالهم، كما يقال: فلان ناهيك به، و حسبك أنه فلان، إشارة إلى أنه ممدوح فوق حد التفصيل .. «1».

وَ أَمَّا إِنْ كانَ هذا المتوفى مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ و هم أصحاب الشمال فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ أى: فله نزل- أى: مكان- مِنْ حَمِيمٍ أى: من ماء قد بلغ أقصى


(1) تفسير الآلوسى ج 27 ص 160.
التفسير الوسيط للقرآن الكريم، ج 14، ص: 190
درجات الحرارة و عبر عن المكان الذي ينزل فيه بالنزل، على سبل التهكم، إذا النزل في الأصل يطلق على ما يقدم للضيف على سبل التكريم ..
و قوله: وَ تَصْلِيَةُ جَحِيمٍ أى: و له- أيضا- إدخال في نار جهنم التي تشوى جسده و تحرقه.
إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ أى: إن هذا الذي قصصناه عليك- أيها الرسول الكريم- في هذه السورة و غيرها، لهو الحق الثابت الذي لا يحوم حوله شك أو ريب ..
فقوله: حَقُّ الْيَقِينِ من إضافة الصفة إلى الموصوف، أى: لهو اليقين الحق ..
أو هو من إضافة الشي ء إلى نفسه مع اختلاف اللفظين، كما في قوله- تعالى-: حَبْلِ الْوَرِيدِ إذ الحبل هو الوريد، و القصد من مثل هذا التركيب التأكيد.
ثم ختم- سبحانه- السورة الكريمة بقوله: فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ أى: إذا كان الأمر كما ذكرنا لك- أيها الرسول الكريم- فنزه ربك العظيم في ذاته و أسمائه و صفاته و أفعاله، عن كل ما لا يليق به ..
و بعد فهذا تفسير لسورة «الواقعة» نسأل اللّه- تعالى- أن يجعله خالصا لوجهه، و نافعا لعباده، و صلى اللّه على سيدنا محمد و على آله و صحبه و سلم ..
الدوحة- قطر صباح الأربعاء 16 من رجب سنة 1406 ه 26/ 3/ 1986 م كتبه الراجي عفو ربه د. محمد سيد طنطاوى التفسير الوسيط للقرآن الكريم، ج 14، ص: 191

تفسير سورة الحديد
التفسير الوسيط للقرآن الكريم، ج 14، ص: 193
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
مقدمة و تمهيد
1 - سورة «الحديد» هي السورة السابعة و الخمسون في ترتيب المصحف، و سميت بذلك لقوله- تعالى- فيها: وَ أَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَ مَنافِعُ لِلنَّاسِ.
و عدد آياتها تسع و عشرون آية في المصحف الكوفي، و ثمان و عشرون في غيره.
2 - و قد اختلف المفسرون في كونها مدنية أو مكية، فابن كثير و القرطبي يقولان بأنها مدنية، و لا يذكران خلافا في ذلك.
بينما نرى صاحب الكشاف يقول إنها مكية، و لا يذكر- أيضا- خلافا في ذلك.
و من المفسرين من يرى بأن سورة الحديد منها ما هو مكي و منها ما هو مدني.
قال الآلوسى: أخرج جماعة عن ابن عباس أنها نزلت بالمدينة و قال النقاش و غيره: هي مدنية بإجماع المفسرين، و لم يسلم له ذلك، فقد قال قوم إنها مكية.
و قال ابن عطية: لا خلاف أن فيها قرآنا مدنيا. لكن يشبه أن يكون صدرها مكيا ..
و يشهد لهذا ما أخرجه البزار في مسنده، و الطبراني و ابن مردويه .. عن عمر- رضى اللّه عنه- أنه دخل على أخته قبل أن يسلم، فإذا صحيفة فيها أول سورة الحديد، فقرأه حتى بلغ قوله- تعالى-: آمِنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ أَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فأسلم «1».
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير