تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

و ملكه- سبحانه- للسموات و الأرض، ملك حقيقى، لأنه لا ينازعه فيه منازع، و لا يشاركه مشارك .. بخلاف ملك غيره لبعض متاع الدنيا، فإنه ملك زائل مهما طال، و مفتقر إلى من يحميه و يدافع عنه.


(1) سورة الإسراء الآية 44.
التفسير الوسيط للقرآن الكريم، ج 14، ص: 198
و قوله: يُحْيِي وَ يُمِيتُ صفة أخرى من صفاته- عز و جل- أى: هو الخالق للحياة لمن شاء أن يحييه، و هو الخالق للموت لمن أراد أن يميته.
و هذه الجملة خبر لمبتدأ محذوف، و هي في الوقت نفسه بدل اشتمال مما قبلها إذ الإحياء و الإماتة، مما يشتمل عليه ملك السموات و الأرض.
و خص- سبحانه- هاتين الصفتين بالذكر، لأنه هو المتفرد بهما، و لا يستطيع أحد أن يدعى أن له عملا فيهما، و من ادعى ذلك كانت دعواه من قبيل المغالطة و المجادلة بالباطل، إذ الموجد الحقيقي لهما هو اللّه- عز و جل- و ما سواه فهو سبب لهما.
و قوله- تعالى-: وَ هُوَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ تذييل مؤكد لما قبله. أى: و هو- سبحانه- على كل شي ء من الأشياء التي من جملتها ما ذكر- قدير على إيجادها أو إعدامها.
ثم ذكر- سبحانه- صفات أخرى من صفاته الجليلة فقال: هُوَ الْأَوَّلُ وَ الْآخِرُ، وَ الظَّاهِرُ وَ الْباطِنُ، وَ هُوَ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيمٌ.
أى: هو- سبحانه- الأول و السابق على جميع الموجودات، إذ هو موجدها و محدثها ابتداء. فهو موجود قبل كل شي ء وجودا لا حد و لا وقت لبدايته.
وَ الْآخِرُ أى: الباقي بعد هلاك و فناء جميع الموجودات، كما قال- تعالى-:
كُلُّ شَيْ ءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ.
و آثر لفظ الْآخِرُ على لفظ الباقي ليتم الطباق بين الوصفين المتقابلين ...
و هو الظَّاهِرُ أى: الظاهر وجوده عن طريق مخلوقاته التي أوجدها بقدرته إذ من المعروف عند كل عاقل أن كل مخلوق لا بد له من خالق، و كل موجود لا بد له من موجد.
فلفظ الظَّاهِرُ مشتق من الظهور الذي هو ضد الخفاء، و المراد به هنا ظهور الأدلة العقلية و النقلية على وجوده و وحدانيته و قدرته و علمه.
و يجوز أن يكون مشتقا من الظهور، بمعنى الغلبة و العلو على الغير، كما في قوله- تعالى-: إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ ...
و عليه يكون المعنى: و هو الغالب العالي على كل شي ء.
و هو الْباطِنُ من البطون بمعنى الخفاء و الاستتار، أى: و هو- سبحانه- المحتجب يكنه ذاته عن أن تدركه الأبصار، أو أن تحيط بحقيقة ذاته العقول، كما قال- تعالى- التفسير الوسيط للقرآن الكريم، ج 14، ص: 199
لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ، وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ، وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ «1».
و يصح أن يكون الْباطِنُ بمعنى العالم بما بطن و خفى من الأمور يقال: فلان أبطن بهذا الأمر من غيره، أى: أعلم بهذا الشي ء من غيره.
ثم ختم- سبحانه- الآية بقوله: وَ هُوَ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيمٌ أى: و هو- سبحانه- عليم بكل ما في هذا الكون، لا تخفى عليه خافية من شئونه، كما قال- تعالى-: إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْ ءٌ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي السَّماءِ «2».
قال ابن كثير: و هذه الآية هي المشار إليها في حديث عرباض بن معاوية أنها أفضل من ألف آية.
و قد اختلفت عبارات المفسرين في هذه الآية على نحو بضعة عشر قولا و قال البخاري:
قال يحيى: الظاهر على كل شي ء علما و الباطن على كل شي ء علما.
و روى الإمام مسلم- في صحيحه-، و الإمام أحمد- في مسنده- عن أبى هريرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كان يدعو عند النوم فيقول: «اللهم رب السموات و رب العرش العظيم، ربنا و رب كل شي ء، منزل التوراة و الإنجيل و القرآن، فالق الحب و النوى، لا إله إلا أنت، أعوذ بك من شر كل شي ء أنت آخذ بناصيته، أنت الأول فليس قبلك شي ء، و أنت الآخر فليس بعدك شي ء، و أنت الظاهر فليس فوقك شي ء، و أنت الباطن فليس دونك شي ء. اقض عنا الدين، و أغننا من الفقر .. » «3».
ثم ساق- سبحانه- ألوانا أخرى من الأدلة التي تدل على وحدانيته و قدرته فقال:
هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ.
و الأيام: جمع يوم، و اليوم في اللغة مطلق الوقت، أى: في ستة أوقات لا يعلم مقدارها إلا اللّه- تعالى-. و قيل: هذه الأيام من أيام الدنيا.
و الاستواء في اللغة: يطلق على الاستقرار، كما في قوله- تعالى- وَ اسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ أى استقرت سفينة نوح- عليه السلام-
كما يطلق بم

ـ[علي ابن جابر]ــــــــ[13 - 01 - 09, 10:44 م]ـ
رفع النقص

ـ[أبو إبراهيم حسانين]ــــــــ[14 - 01 - 09, 05:03 ص]ـ
أخى الكريم جزاك الله خيرا
بقيت بعض السور فالرجاء إكمالها من صفحة 199: 200 الجزء الرابع عشر
إلى قوله
التفسير الوسيط للقرآن الكريم، ج 14، ص: 200
وعرش اللّه، مما لا يعلمه البشر إلا بالاسم أما حقيقته وكيفيته فلا يعلمها إلا اللّه - تعالى -.
وقد ذكر العرش في إحدى وعشرين آية من القرآن الكريم، كما ذكر الاستواء على العرش في سبع آيات.
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير