تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كما أن الأدلة التي استدل بها القائلون بخروج وقت الظهر عند مصير ظل كل شيء مثله تدل بمفهومها على دخول وقت العصر عندهم؛ على حد حديث عبدالله بن عمرو ? قال: قال رسول الله ?: "وقت الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله ما لم تحضر العصر"، فإنه بيّن أن نهاية الظهر بحضور العصر.

أدلة أصحاب القول الثالث:

الدليل الأول: حديث إمامة جبريل ?، فقد ذكر عن صلاته للعصر في اليوم الأول: حتى إذا كان فيء الرجل مثله جاءه للعصر فقال: قم يا محمد فصلّ العصر .. ثم ذكر عن الظهر في اليوم الثاني: ثم جاءه من الغد حين كان فيء الرجل مثله فقال: قم يا محمد فصلّ، فصلى الظهر".

وجه الدلالة: أن جبريل ? صلى بالنبي ? الظهر في اليوم الثاني في نفس الوقت الذي صلى به فيه العصر في اليوم الأول.

المناقشة: نوقش هذا الحديث من عدة وجوه:

1/ أنه معارض في ظاهره لحديث عبدالله بن عمرو ? قال: قال النبي ?: "وقت الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله ما لم تحضر العصر". وما دام معارضاً فإنا نصير إلى الجمع بينهما؛ فنقول بإمكان حمل حديث جبريل ? على حديث عبدالله بن عمرو ? بأن راوي حديث إمامة جبريل ? تجوّز في اللفظ لقرب ما بين الوقتين.

ثم لو لم يمكن الجمع بينهما؛ لرجحنا حديث عبدالله بن عمرو ? لأمرين: الأول: أنه أصح لأنه في صحيح مسلم وأما حديث إمامة جبريل ? فهو في السنن، والثاني: أنه المتأخر قطعاً؛ إذ إن حديث إمامة جبريل ? كان في أول الأمر بالصلاة.

2/ روى أبو قتادة ?: أن النبي ? قال: "ليس في النوم تفريط، إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى"، فدلّ على أنه إذا جاء وقت الصلاة الأخرى فقد خرج وقت الأولى، وهذا في كل الصلوات إلا في الصبح؛ للإجماع بأن وقتها يخرج بطلوع الشمس.

3/ يمكن حمل قول الراوي في حديث جبريل ? في اليوم الأول في صلاة العصر على أنه حين صار ظل كل شيء مثله، وأما قوله في اليوم الثاني في صلاة الظهر فيُحمل على قُرْب مصير ظل كل شيء مثله. وهذا له نظائر، كما في قوله تعالى:"وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف فإن معناه: قاربن بلوغ الأجل وهو انتهاء العدة. وقوله تعالى في الآية بعدها:"وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف" فإن معناه: تم أجلهن وخرجن من عدتهن، فنقول: إن صلاة العصر في اليوم الأول كانت حين صار ظل كل شيء مثله، وصلاة الظهر في اليوم الثاني قريباً من مصير ظل كل شيء مثله.

الترجيح: الأقرب للصواب هو القول الثاني لقوة أدلته وصراحتها وورود المناقشة القوية على أدلة المخالفين.

وأما آخر وقت العصر؛ فلها وقتان -عند غير الحنفية كما سيأتي-: اختيار وضرورة، فأما الضرورة فاتفقوا على أنه إلى غروب الشمس. وأما المختار ففيه أقوال:

القول الأول: آخر العصر هو غروب الشمس دون تقسيم إلى: اختيار وضرورة. وهذا مذهب الحنفية وكره بعضهم تأخيرها حتى تتغير الشمس.

القول الثاني: آخر العصر المختار هو اصفرار الشمس، والضرورة إلى غروبها. وهذا المذهب عند المالكية ورواية عند الحنابلة صححها الموفق واستظهرها صاحب الفروع.

القول الثالث: آخر الوقت المختار مصير ظل الشيء مثليه، وآخر وقت الضرورة غروب الشمس. وهو رواية عن مالك ومذهب الشافعية ومشهور مذهب الحنابلة.

أدلة أصحاب القول الأول:

الدليل الأول: حديث أبي هريرة ?: أن رسول الله ? قال: "من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر".

وجه الدلالة: دل على أن آخر وقت صلاة العصر هو غروب الشمس، وأن الذي يؤخرها عن الاصفرار أنه غير مفرّط.

المناقشة: يمكن أن يناقش هذا الدليل بتعارضه مع حديث عبدالله بن عمرو، وفيه: "وقت العصر ما لم تصفرّ الشمس". حيث جعل النبي ? نهاية وقتها باصفرار الشمس، وحينئذ فإنا نصير إلى الجمع بينهما فنقول: إن العصر لا تؤخر اختياراً إلى ما بعد الاصفرار، ويجوز للضرورة تأخيرها إلى الغروب لحديث أبي هريرة ?.

الدليل الثاني: حديث عبدالله بن عمر ? قال: قال رسول الله ?: "الذي تفوته صلاة العصر متعمداً حتى تغرب الشمس فكأنما وُتر أهله وماله".

وجه الدلالة: أنه حدَّ فوات العصر؛ بغروب الشمس، فدل على أنه آخر وقتها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير