المناقشة: يناقش بما نوقش به الدليل الأول.
الدليل الثالث: حديث أبي هريرة ? قال: قال رسول الله ?: "إن للصلاة أولاً وآخراً ... الحديث"، وقد ذكر في صلاة العصر: " وآخره حين تغرب الشمس".
وجه الدلالة: أنه جعل آخر وقت العصر غروب الشمس.
المناقشة: يمكن أن يناقش هذا الدليل من وجهين:
1/ أن هذا الحديث مختلف في وصله وإرساله، والصحيح أنه مرسل، والمرسل ضعيف.
2/ أنه على فرض ثبوته، فإنه لم يأت بلفظ: "حين تغرب الشمس"، وإنما لفظه: "حين تصفر الشمس".
الدليل الرابع: يمكن أن يستدل لأصحاب هذا القول بحديث أبي قتادة ? المتقدم: "ليس في النوم تفريط، إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى". وجه الدلالة: أن وقت العصر لا يخرج حتى يحضر وقت المغرب بغروب الشمس، وهذا في كل الصلوات باستثناء الصبح لإجماعهم على خروجها بطلوع الشمس.
المناقشة: يناقش بما نوقش به الدليل الأول.
أدلة أصحاب القول الثاني:
الدليل الأول: حديث عبدالله بن عمرو ? قال: قال رسول الله ?: "وقت العصر ما لم تصفرّ الشمس".
وجه الدلالة: أنه جعل وقت العصر ممتداً إلى اصفرار الشمس؛ فدل على أنه آخر وقتها.
الدليل الثاني: حديث أبي هريرة ? المتقدم، وفيه: "وإن آخر وقتها حين تصفر الشمس".
وجه الدلالة: أخبر ? أن آخر وقت لأداء العصر هو اصفرار الشمس.
المناقشة: يناقش بأن الحديث ضعيف.
الدليل الثالث: حديث أبي موسى ? وقد تقدم؛ في شأن السائل الذي سأل النبي ? عن مواقيت الصلاة، حيث ذكر أبو موسى ? أن النبي ? انصرف من العصر في اليوم الثاني، والقائل يقول: قد احمرت الشمس. ثم قال النبي ?: "الوقت بين هذين".
وجه الدلالة: أنه ذكر أن انصراف النبي ? منها كان حين يشك المرء في احمرار الشمس، فدل على أنه دخلها عند الاصفرار، وأنه لا يؤخر الدخول عن هذا، لقوله: "الوقت بين هذين".
الدليل الرابع: أن القول بالاصفرار، قول بالمثلين وزيادة، فيؤخذ به.
الدليل الخامس: أن أحاديث الاصفرار قولية، وأحاديث المثلين فعلية، والقول مقدم على الفعل.
وأما أدلتهم على أن وقت الضرورة يمتد إلى غروب الشمس فهي كالآتي:
الدليل الأول: الجمع بين حديث عبدالله بن عمرو ?، وفيه: "ووقت العصر ما لم تصفر الشمس" وحديث أبي هريرة ? المتقدم وفيه: "ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر"، بأن الحديث الأول وما في معناه في حق المختار غير المضطر، وأن الحديث الثاني في حق المضطر.
والمضطر هنا: من لم تصحّ منه الصلاة في وقت الاختيار لوجود ما يمنع؛ كالصبي إذا بلغ والمجنون إذا أفاق –ويلحق به النائم والمغمى عليه- والكافر إذا أسلم؛ -والحائض إذا طهرت على قول لبعض أهل العلم-، فإن هؤلاء لم تكن الصلاة لتصح من أحدهم لو أوقعها في وقت الاختيار ما دام المانع موجوداً؛ فلما زال أوجبنا عليه تدارك الوقت بأداء الصلاة قبل الغروب. وأما من يمكنه أداء الصلاة قبل وقت الضرورة فلا يجوز له تأخيرها إليه.
الدليل الثاني: حديث أبي قتادة ? قال: قال رسول الله ?: "ليس في النوم تفريط، إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى".
وجه الدلالة: دل على أن وقت كل صلاة لا يخرج حتى يأتي وقت الصلاة التي تليها باستثناء الصبح لإجماعهم على خروج وقتها بطلوع الشمس؛ فبقي فيما عداه على معناه، ومن ذلك: أن صلاة العصر لا يخرج وقتها حتى يجيء وقت المغرب وهو الغروب.
الدليل الثالث: "لأن الحائض وغيرها من أهل الأعذار إذا زال عذرهم قبل غروب الشمس بركعة لزمتهم العصر بلا خلاف، ولو كان الوقت قد خرج لم يلزمهم". قاله النووي.
أدلة أصحاب القول الثالث:
الدليل الأول: حديث إمامة جبريل ? وفيه أنه جاءه في اليوم الثاني حين كان فيء الرجل مثليه فقال: قم يا محمد فصلّ، فصلى العصر.
وجه الدلالة: أنه جعل آخر وقت العصر مصير ظل الشيء مثليه؛ بدليل قول جبريل ? في آخر الحديث: ما بين هذين وقت كله.
المناقشة: يناقش بأنه معارض لحديث عبدالله بن عمرو ?، فلا بد من الجمع بينهما بأن يقال: إن الله تكرّم على هذه الأمة فزادها في وقت صلاة العصر إلى الاصفرار. وإن لم يمكن الجمع؛ فإن حديث عبدالله بن عمرو ? مقدم لأمور:
1/ أنه أصح، لأنه في الصحيح.
2/ أنه متأخر قطعاً عن حديث جبريل ?، لأن حديث جبريل ? كان في أول فرض الصلاة.
¥