وجه الدلالة: أن النبي ? بيّن للسائل أن الوقت بين صلاته في اليوم الأول وصلاته في اليوم الثاني، وكان صلى العشاء في اليوم الأول عند مغيب الشفق، فدلّ على أنه أول وقتها وأنها لا تحل قبله.
الدليل الثالث: قول عائشة رضي الله عنها: كانوا يصلون العشاء فيما بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل الأول.
وجه الدلالة: أنها بيّنت ما كان عليه الحال زمن النبي ?، وأن أداء صلاة العشاء كان يبدأ بمغيب الشفق.
وأما نهاية وقت العشاء فاختلفوا فيه على أقوال:
القول الأول: طلوع الفجر، دون تفصيل بين الاختيار والضرورة. وهذا مذهب الحنفية.
القول الثاني: الاختيار إلى ثلث الليل، والضرورة إلى طلوع الفجر. وهو المشهور من مذهب المالكية ومذهبِ الشافعية ومذهبِ الحنابلة.
القول الثالث: الاختيار إلى نصف الليل، والضرورة إلى طلوع الفجر. وهو رواية عند المالكية، وهو القول القديم في مذهب الشافعي، ورواية عن الإمام أحمد اختارها الموفق واستظهرها صاحب الفروع.
القول الرابع: آخر الوقت نصف الليل، وليس لها وقت ضرورة. وهذا قول لبعض الشافعية، وبعض الحنابلة.
أدلة أصحاب القول الأول:
الدليل الأول: حديث أبي هريرة ? قال: قال رسول الله ?: "وآخر وقت العشاء حين يطلع الفجر".
وجه الدلالة: أن النبي ? نصّ على أن نهاية وقت العشاء هو طلوع الفجر.
المناقشة: يناقش بأنه لا يثبت حديث بهذا اللفظ.
الدليل الثاني: مجموع الروايات يدل على أن آخر وقت العشاء هو طلوع الفجر. ففي حديث إمامة جبريل ? أنه صلى عند ثلث الليل الأول، وفي حديث ابن عمرو ? نصف الليل، وفي حديث عائشة رضي الله عنها أنه أخّرها حتى ذهب عامة الليل. فدلّ على أن الليل كله وقت لإيقاع العشاء فيه.
المناقشة: نوقش بأن أقصى ما ورد هو نصف الليل، وأما قول عائشة: حتى ذهب عامة الليل، فمعناه كثير منه؛ وليس أكثره. ولا بد من المصير إلى هذا التأويل، لأن النبي ? قال: "إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي"، ولم يقل أحد بأن أفضل أوقات أداء العشاء بعد مضي نصف الليل.
الدليل الثالث: حديث أبي قتادة ?: أن رسول الله ? قال: "ليس في النوم تفريط، إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى".
وجه الدلالة: دلّ على أن وقت الصلاة لا يخرج حتى يدخل وقت الصلاة التي بعدها، واستثني من ذلك الفجر للإجماع.
المناقشة: يمكن أن يناقش هذا الدليل من وجهين:
1/ أنه عام؛ وهناك أحاديث خاصة تدل على خروج وقت الصلاة قبل دخول التي تليها، والخاص مقدّم على العام، فيكون العشاء مستثنى كما استثني الفجر.
2/ أن هذا دليل على امتداد وقت الضرورة –دون الاختيار- إلى مطلع الفجر.
أدلة أصحاب القول الثاني:
الدليل الأول: حديث إمامة جبريل ?، وفيه أنه أَمّ النبي ? في اليوم الثاني حين ذهب ثلث الليل الأول.
وجه الدلالة: أنه بيّن له بأن الوقت إلى ثلث الليل؛ بقوله: ما بين هذين وقت كله.
المناقشة: يمكن أن يناقش هذا من وجوه:
1/ أن هناك أحاديث تعارضه؛ جاءت بانتهاء الوقت بنصف الليل، فيجمع بينها بأن أول الأمر كان إلى ثلث الليل، ثم تكرّم الله على هذه الأمة فزاد في وقت العشاء إلى نصف الليل.
2/ أن أحاديث نصف الليل أصح إسناداً لأنها في الصحيح.
3/ أن أحاديث نصف الليل متأخرة قطعاً عن حديث جبريل لأنه كان أول فرض الصلاة.
4/ أن الثلث لم يرد إلا فعلاً؛ وأحاديث النصف فيها القولي والفعلي، والقول مقدم على الفعل.
الدليل الثاني: حديث عائشة قالت: كانوا يصلون العشاء فيما بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل الأول.
وجه الدلالة: أنها وصفت الحال في عهد النبي ?، وأن صلاتهم لم تتجاوز ثلث الليل، فدل على أنها لا تصح بعده.
المناقشة: يمكن أن يناقش بأن هذا لا ينافي أن النبي ? كان يصلي أحيانا عند منتصف الليل، بل إن عائشة رضي الله عنها أخبرت أنه ? أعتم حتى ذهب عامة الليل، فدل على جواز تأخيرها عن الثلث، وأن الثلث ليس آخر وقتها.
الدليل الثالث: حديث أبي موسى ?، وفيه: ثم أخّر العشاء حتى كان ثلث الليل الأول. ثم أصبح فدعا السائل فقال: "الوقت بين هذين".
وجه الدلالة: أن النبي ? جعل آخر العشاء ثلث الليل في تعليمه للسائل.
¥