قال ابن كثير رحمه الله "ينزه -تبارك وتعالى- نفسه الكريمة ويقدسها ويبرئها عما يقول الظالمون المكذبون المعتدون تعالى وتنزه وتقدس عن قولهم علواً كبيراً ولهذا قال -تبارك وتعالى- (سبحان ربك رب العزة) أي ذي العزة التي لا ترام (عما يصفون) أي عن قول هؤلاء المعتدين المفترين … " أهـ.
أقول ولنعطي مثالاً أقرب إلى الواقع، فلعل قائل أنْ يقول أنّ في عهد النبي http://www.binatiih.com/go/images/smiles/salla.gif كان الذين ينكر عليهم رسول الله http://www.binatiih.com/go/images/smiles/salla.gif مشركون.
أقول إنه من المعلوم لكل من اطلع على سيرة السلف الصالح حتى الثلاثمائة الهجرية، وجد أنه في تلك الفترة ظهرت فرق من المسلمين المبتدعين في دين الله، ومع ذلك لم ينقل عن أحد من السلف أنه قال لا بأس اتركوا إنكار هذه المسائل حتى لا تتفرق الأمة، بل كان السلف قاطبة -رحمهم الله- ومن بينهم الأئمة الأربعة -رحمهم الله- ينكرون مثل هذه البدع والخرافات بل كانوا - رحمهم الله - يجتهدون في إحياء السنن وإماتة البدع وإحياء التوحيد الخالص على منهاج النبوة.
فهذه طريقة السلف قاطبة -رحمهم الله- يعلم ذلك من تتبع أحوالهم في مثل هذه الأمور.
فهذه القرون الفاضلة، والتي شهد لها رسول الله http://www.binatiih.com/go/images/smiles/salla.gif في الحديث الصحيح حيث قال: "خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم"، فهذا هو سبيل المؤمنين الذي لا تجوز مخالفته عملاً بقوله تعالى:
] ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى [().
فهذا فهم سلفنا الصالح -رضي الله عنهم- وخلاصته أنه لا بد من إظهار عقيدة الصحابة -رضي الله عنهم - ونشر الكتاب والسنة والجمع عليهما مهما كانت الظروف، ومهما تغير الزمان.
خلاصة هذا البحث أن نقول ما وقع فيه خلاف بين أصحاب رسول الله http://www.binatiih.com/go/images/smiles/salla.gif جاز لمن بعدهم الخلاف فيه، ما لم يكن الدليل صريحاً، وما اتفق عليه أصحاب أبي القاسم http://www.binatiih.com/go/images/smiles/salla.gif لم يجز لمن بعدهم الخلاف فيه لأن المخالف حينئذ سيكون قد اتبع غير سبيل المؤمنين، والذي توعد الله من خالفه بأن يوليه ما تولى ويصليه جهنم وساءت مصيراً.
ولا يجوز أن نقيس أمراً متفق عليه بين أصحاب أبي القاسم http://www.binatiih.com/go/images/smiles/salla.gif بأمر اختلفوا فيه فلا يجوز لنا أن نجوز الخلاف في مسألة استواء الله -عز وجل- تبعاً وقياساً لخلاف الصحابة في قراءة الفاتحة خلف الإمام، لأننا حينئذ سنكون قد وقعنا فيما يسميه الأصوليون قياس مع الفارق، لأننا قسنا جواز الخلاف في أمر متفق عليه على أمر مختلف فيه، فهذا هو القياس مع الفارق.
ويليق في هذا المقام أن أنقل تفسير العلماء في قوله تعالى: (ومن يشاقق الرسول …. الآية).
يقول ابن كثير رحمه الله: "ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى" أي ومن سلك غير طريق الشريعة التي جاء بها الرسول http://www.binatiih.com/go/images/smiles/salla.gif فصار في شق والشرع في شق، وذلك عن عمد منه بعدما ظهر له الحق، وتبين له واتضح له وقوله: (ويتبع غير سبيل المؤمنين) هذا ملازم للصفة الأولى، ولكن قد تكون المخالفة لنص الشارع، وقد تكون لما اجتمعت عليه الأمة المحمدية فيما علم اتفاقهم عليه تحقيقاً، فإنه قد ضمنت لهم العصمة في اجتماعهم من الخطأ تشريفاً لهم وتعظيماً لنبيهم، وقد وردت أحاديث صحيحة كثيرة في ذلك، قد ذكر منها طرفاً صالحاً في كتاب أحاديث الأصول، ومن العلماء من ادعى تواتر معناها والذي عول عليه الشافعي -رحمه الله- في الاحتجاج على كون الإجماع حجة تحرم مخالفته، هذه الآية الكريمة بعد التروي والفكر الطويل وهو من أحسن الاستنباطات وأقواها .. " أهـ.
وقال الطبري في تفسيره () (ومن يشاقق الرسول): "ومن يباين الرسول محمداً http://www.binatiih.com/go/images/smiles/salla.gif معادياً له، فيفارقه على العداوة له (من بعد ما تبين له الهدى) يعني: من بعد ما تبين له أنه رسول الله، وأن ما جاء به من عند الله يهدي إلى الحق، وإلى طريق مستقيم (ويتبع غير سبيل المؤمنين) منهاجاً غير منهاجهم" أهـ.
¥