تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والأدوية ومضارها ومنافعها، وبتجارب حياتنا فكان كل شيء صح في الشرائع وثبت من الكتاب والسنة حقيقة لا يشك فيها، وكأنه يرى الجنة والنار رأي عين، رأيته في حالة عجيبة من التألم والتوجع والقلق الدائم كأنه على حسك السعدان، يتململ تململ السليم، ويتنفس الصعداء، لما يرى حوله من الغفلة عن مقصد الحياة وعن غاية هذا السفر العظيم، وعن خالق هذا الكون، ومن الاستهانة بقيمة الحياة وتضييعها في غير محل، ولا أجد له مثلاً إلا كالذي يرى الحريق في بيت، وقد أحاطت النيران بأولاده وأسرته ونفائسه، فيصرخ ويضطرب ولا يقر له قرار، وعرفت برؤيته معنى الحب وفهمت ما روى عن العشاق المتيمين ومن استولى عليه الحب وصدقت ما نقل عن الأنبياء من الحزن والقلق والحرص على الهداية.

ثالثاً وأخيراً رأيت في هذا الجسم النحيل الذي كاد يعجز عن أن يحمل ثقله روحاً قوية جداً وقوة إرادة، وقلب لم أجد مثلها في الشبان الأقوياء والأبطال الأشداء، فكان يتحمل من المشاق ما ينوء بالعصبة أولي القوة وقد يظل في أسفاره أياماً متوالية لا يأكل فيها لشدة الاشتغال ويسهر الليالي، وأعجب ما رأيت أنه كان في مرضه الذي توفي فيه لا يستطيع القيام والقعود ولكنه يأتي إلى الصف يتهادى بين رجلين ويقوم للصلاة، ولا يستقل بنفسه فإذا كبر الإمام تركه الرجلان وقام بنفسه كأنه غير الرجل ويقوم ويركع ويسجد من دون مساعدة، حتى إذا سلم الإمام خارت قوته وعاد ضعيفاً لا يستطيع النهوض وبقي هكذا شهوراً، وما فاتته في مرضه صلاة إلى الليلة التي توفي فيها.

الدعوة ومبادؤها:

هذا صاحب الدعوة، وكلمة وجيزة عن الدعوة لقد رأى مولانا محمد إلياس ما أصاب المسلمين من التحلل والإفلاس في الإيمان والروح، والشعور الديني في هذه المدة، وما أثرت فيهم الحكومة الإنجليزية والحضارة الغربية والتعليم المدني، وغفلة الدعاة والاشتغال الزائد بالحياة، والانهماك بالمادة حتى صارت المدارس الشرعية والأوساط الدينية، كجزر في بحر محيط وأصبحت تتأثر بمحيطها الثائر على الدين ولا تؤثر بضعفها وعزلها عن الحياة. فرأى أن التعليم وحده لا يكفي والاعتزال لا يفيد، والانزواء لا يصح، ولا بد من الاتصال بطبقات الشعب، ولا بد من التقدم إليها من غير انتظار لأنها لا تشعر مرضها وفقرها في الدين. ويَجِبُ أن يبتدأ بغرس الإيمان في القلوب ومبادئ الإسلام ثم الأركان والعلم والذكر، مع مراعاة الآداب التي تقوي هذه الدعوة وتحفظها من الفتن ومنها إكرام كل مسلم، ومنها عدم الاشتغال بما ليس بسبيل الداعي وترك ما لا يعنيه، وقد دعا إلى هذا النظام بكل قوته ونفوذه، ودعا إلى الخروج في سبيل هذه الدعوة وبثها بين القرى والمدن وبدأ دعوته بمنطقة هي أحط المناطق الهندية خلقاً، وأبعدها عن الدين وأعظمها جهالة وضلالة، وهي منطقة ميموات في جنوب دهلي عاصمة الهند، ودعا الناس فيها إلى الانقطاع عن أشغالهم، والخروج من أوطانهم لمدة محدودة وقد تكون شهراً، وقد تكون أكثر من ذلك وعرف أنهم لا يتعلمون ولا يتغيرون في الأخلاق إلا إذا خرجوا من هذا المحيط الفاسد الذي يعيشون فيه.

وقد قبل دعوته مئات وألوف من هذه المنطقة وخرجوا شهوراً وقطعوا آفاقاً بعيدة ما بين شرق الهند وغربها وشمالها وجنوبها، ركباناً ومشاة، فتغيرت أخلاقهم، وتحسنت أحوالهم، واشتعلت بواطنهم الدينية، وانتشرت الدعوة في الهند وباكستان، من غير نفقات باهظة ومساعدات مالية ونظم إدارية، بل بطريقة بسيطة تشبه طريقة الدعوة في الإسلام، وتذكر بالدعاة المسلمين المجاهدين المؤمنين الذين كانوا يحملون في سبيل الدعوة والجهاد متاعهم وراءهم وينفقون على أنفسهم ويتحملون المشقة محتسبين متطوعين.

وتوفي إلى رحمة الله تعالى في رجب 1363هـ وخلفه نجله الشيخ محمد يوسف وقام بأعباء بالدعوة خير قيام، وفي عهده توسعت الحركة توسعاً كبيراً، وانتشرت بعثاتها في العالم الإسلامي وفي الغرب، ودعا إلى الإيمان وإيثار الروح على المادة، والآخرة على الدنيا، والاعتماد على الله، وبذل الوسع والطاقة في سبيل الله، دعوة قوية صريحة أثرت في ألوف من الناس، فأصبحوا دعاة متطوعين ولا يزال مقر (نظام الدين) في دهلي مركز حياة دينية، ودعوة إيمانية يؤمها الناس من جهات بعيدة. أ. هـ.

" منهج جماعة التبليغ في الدعوة إلى الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير