تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أحدهما: أن يسكت عنه لأنه لا داعية له تقتضيه ولا موجب تقدر لأجله، كالنوازل التي حدثت بعد رسول الله r فإنها لم تكن موجودة ثم سكت عنها مع وجودها وإنما حدثت بعد ذلك فاحتاج أهل الشريعة إلى النظر فيها وإجرائها على ما تقرر في كلياتها وما أحدثه السلف الصالح راجع إلى هذا القسم كجمع المصحف وتدوين العلم وتضمين الصناع وما أشبه ذلك مما لم يجر له ذكر في زمن رسول الله r ولم تكن في نوازل زمانه ولا عرض للعمل بها موجب يقتضيها، فهذا القسم جارية فروعه على أصوله المقررة شرعاً بلا إشكال، فالمقصد الشرعي فيها معروف من الجهات المذكورة قبل.

والثاني: أن يسكت عنه وموجبه المقتضى له قائم ولم يقرر له حكم عند نزول النازلة زائد على ما كان في ذلك الزمان، فهذا الضرب السكوتي نص على قصد الشارع ألا يزاد فيه ولا ينقص، لأنه لما كان هذا المعنى الموجب لشرع الحكم العملي ثم لم يشرع الحكم دلالة عليه كان ذلك صريحاً في أن الزائد على ما كان هنالك بدعة زائدة ومخالفة لما قصد الشارع وأنه فهم من قصده الوقوف عندما حد هنالك لا الزيادة عليه ولا النقصان منه .. " الخ ما قاله الشيخ -رحمه الله-.

بعد أن قدمنا هذه المقدمة الطيبة نشرع الآن في بيان توضيح الانتقادات التي وجهت إلى جماعة التبليغ لنرى مدى صلاحية تطبيق هذه القاعدة التي ذكرها الإمام الشاطبي على وسائلي جماعة التبليغ.

قولهم: "أي المنتقدين" هل هذا العمل من ناحية وسائله ثبت عن رسول الله أو عن الصحابة أو التابعين بنفس هذا الترتيب؟ فأقول مستعيناً بالله إن وسائل هذا العمل عند جماعة التبليغ كثيرة جداً ولكن هنا نريد أن نبيّن أمراً انفردت به هذه الجماعة بوسائلها دون سواها، هذا الأمر هو الخروج بالشكل الجماعي المشاهد عندهم وستكون إجابتنا عن خصوص هذه الوسيلة دون سواها، وأما باقي الوسائل فستأتي إن شاء الله أثناء توضيح الاعتراضات التي ترد على هذه الجماعة، فلنشرع مستعينين بالله في بيان حكم هذه الوسيلة، ألا وهي خروج الجماعات إلى أنحاء بلاد العالم. فأقول: مما لا شك فيه أن خروج جماعة التبليغ المنتظم دون انقطاع بهذه الكيفية لم يثبت به العمل في الزمن السابق فلم يكن رسول الله r ولا الخلفاء الراشدين يرسلون جماعات مسلمة إلى جماعات مسلمة لتذكيرهم بالله ونصحهم، كما هو الحال عند هذه الجماعة، وأعني بقولي أن النبي r لم يكن من شأنه إرسال جماعات بهذه الكيفية أي أنه لكم يفعله دائماً وإنما كان يفعل ذلك إذا اقتضت الأمور، وإليك توضيح ذلك.

أخرج البخاري ومسلم واللفظ لمسلم عن أنس -رضي الله عنه- قال: "جاء ناس إلى النبي r أن ابعث معنا رجالاً يعلمونا القرآن والسنة فبعث سبعين رجلاً من الأنصار يقال لهم القراء فيهم خالي حرام يقرءون القرآن ويتدارسونه بالليل يتعلمون، وكانوا بالنهار يجيئون بالماء فيضعونه في المسجد ويحتطبون فيبيعونه ويشترون به الطعام لأهل الصفة والفقراءً، فبعثهم النبي r .." الحديث.

وأنت كما ترى في هذا الحديث الصحيح أن النبي r أرسل جماعة مسلمة إلى جماعة في الظاهر مسلمة لتعليمهم الكتاب والسنة لما اقتضت الأحوال ذلك، وأما في الظروف العادية والتي لم تكن تقتضي إرسال جماعات بهذه الكيفية فلم ينقل عنه r أنه كان يفعل ذلك، فإن سألت: إذن كيف كانت تتم الدعوة إلى الله في زمانه r فالجواب: أن الدعوة وقعت في زمانه على عدة أوجه:

الوجه الأول: إرسال رسله بالكتب كما أرسل رسوله إلى هرقل والحديث في البخاري وغيره.

الوجه الثاني: إرسال جماعات وأفراد ممن آمن به من البلاد الأخرى وأمره لهم بالرجوع إلى بلادهم وتعليم أهلهم ودعوتهم إلى الإسلام كما فعل ذلك مع وفد عبد القيس والحديث أيضاً في البخاري، وهكذا كما رجع ضمام إلى قومه ودعاهم إلى الإسلام والحديث أيضاً في البخاري.

الوجه الثالث: إرسال أصحابه للجهاد لدعوة الناس إلى الإسلام وبعد أن يتم فتح البلاد يرسل النبي r إليهم أمرائه حتى يعلموهم الدين ويقضوا بينهم كما فعل ذلك مع معاذ بن جبل، وأبي موسى الأشعري -رضي الله عنهما- عندما أرسلهما إلى اليمن والحديث في البخاري.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير