تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فلو أردنا أن نطبق هذه الصور الثلاث على خروج جماعة التبليغ لامتنع أن ينطبق على صورة خروجهم الوجه الأول لأن الصورة فيه مختلفة عن صورة خروج جماعة التبليغ إذ أنه في الوجه الأول كان الإرسال لأهل الكفر وليس للمسلمين كما يخرج جماعة التبليغ غالباً للمسلمين، وكذلك الوجه الثاني إنما هو إرسال جماعة مسلمة آمنت بالإسلام إلى أقوام كافرين فإن ضُماما مثلا رجع إلى كفار ولم يرجع إلى مسلمين ولو سلمنا أن فيه رجوع جماعة مسلمة إلى جماعة مسلمة كما يشير إلى ذلك حديث وفد عبد قيس فلا نستطيع أن نطبق صورة هذا الحديث على عموم خروج جماعة التبليغ، لأن الصورة في هذا الحديث إنما هي إرسال جماعات إلى بلادهم وليس إلى بلاد أخرى تفعل جماعة التبليغ، وكذلك الوجه الثالث لا تنطبق صورته على صورة جماعة التبليغ لأن فيه إرسال جماعة يقومون بالإمارة والقضاء، فاختلفت صورة هذا الإرسال عن صورة خروج جماعة التبليغ، فلم تنطبق هذه الصور الثلاث على صورة خروج جماعة التبليغ إلا الصورة التي ذكرتها من حديث أنس عند إرسال النبي r سبعين من القراء إلى آخر ما ذكر في الحديث فإن هذه الصورة تنطبق على صورة خروج جماعة التبليغ، لأن الجامع بينهما خروج جماعة مسلمة إلى جماعة مسلمة في الظاهر لتعليمهم الكتاب والسنة، وهذا هو الذي تفعله جماعة التبليغ، إلا أننا نرجع إلى أصل بحثنا فنقول: إن هذه الصورة تنطبق على صورة خروج جماعة التبليغ، إلا أن جماعة التبليغ تتخذه مثلاً دائماً، وهنا البحث فنقول إذا أردنا أن نثبت مشروعية خروج جماعة التبليغ استدلالاً بهذا الحديث فيجب أولاً أن نرى، لماذا لم يتخذه رسول الله r ديدناً بهذه الكيفية؟ فإن كان المقتضى لهذه الكيفية قائماً ولم يتخذه رسول الله r فلا يجوز اتخاذه ديدناً وإنما يفعل بحسب ما فعله رسول الله r أحياناً، وأما إذا لم يكن المقتضى قائماً لاتخاذه عادة في زمن النبوة، ثم وجد مقتضيه الآن، فعند ذلك يشرع خروج جماعة التبليغ، ولبيان تلك القاعدة وتطبيقها أقول: إن النبي r إنما أرسل هذه الجماعة عندما رأى في ذلك المصلحة المقتضية، وأنت ترى أن النبي r لم يرسل ابتداءً لعدم ظهور المقتضى لخروج الجماعة حيث أن النبي r كان يرسل الجماعات للجهاد في سبيل الله، فلما تفتح البلاد ويستقر فيها هؤلاء الفاتحين ومنهم العلماء، ثم بعد ذلك يرسل لهم النبي أميراً وقاضياً، وتنضبط أمورهم بهذا الإرسال -أقصد الإرسال الأول كما بينت- وكذلك الحال في وفد عبد القيس عندما جاءوا للنبي r وعلمهم بعض فرائض الإسلام، وأمرهم أن يعلموا من خلفهم، فقد انضبطت أحوالهم بهذا الوفد الذي أرسله، حيث أنهم رجعوا وقاموا هم بهذا الواجب، إذن فإن المقتضى لإرسال جماعات مسلمة بعد هذا لم يكن له داعياً في زمن رسول الله r بنحو خروج جماعة التبليغ، وكذلك الحال في زمن السلف فقد كانت الأحوال منتظمة حيث كان هناك خلافة، فكان الخليفة يرسل المسلمين للجهاد فإذا فتحت تلك البلاد أرسل إليهم العلماء والقضاة والولاة فانتظمت أمورهم فلم يكن المقتضى قائماً حيث أن لا جهاد -أقصد جهاد الدعوة لا الدفاع- بسبب عدم وجود إمام، زد على ذلك اتساع أرض الإسلام وكثرة المسلمين حيث أن العلماء المتصدين للدعوة أصبحوا لا يكفوا ديارهم فضلاً عن أن يكفوا ديار غيرهم، زد على ذلك أن الحدود كقطع يد السارق، ورجم وجلد الزاني معطلة بسبب تغيب الإمام الذي يقيم تلك الحدود، زد على ذلك استشراء الفساد ودعاة الضلالة، وظهور البدع، والسكوت عليها، وقلة الصالحين وكثرة الفاسقين وغير ذلك من الأحوال المخالفة لما كان عليه زمن الصحابة الصالحين، فمما لا شك فيه أن المقتضى أصبح قائماً الآن لإرسال جماعات بانتظام كما يفعل إخواننا من جماعة التبليغ وحيث ثبت أن المقتضي أصبح قائماً شرع العمل بما أدى إليه هذا المقتضى كما فعل الرسول r عندما أرسل السبعين من القراء، ومن هنا ثبتت مشروعية خروج جماعة التبليغ وإن لم يكن فعل بانتظام وديدناً في عهد الرسول الكريم وعهد السلف الصالح وإنما الذي أورد الإشكال على المعارض بسبب عدم وجود فعل مستمر من النبي r على ذلك ولقائل أن يقول نحن نسلم بكل ما قلته، ولكن ربما خفى عليك أن هذا الإرسال الذي أرسله رسول الله r ( أي السبعين) إنما كانوا علماء بخلاف خروج جماعة لتبليغ فإنهم يخرجون عواماً

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير