تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الظاهرة والمحرمات المشهورة، كالصلاة والصيام والزنا ونحوها فكل المسلمين علماء بها، وإن كان من دقائق الأفعال والأقوال ومما يتعلق بالاجتهاد لم يكن للعوام مدخل فيه ولا لهم إنكار بل ذلك للعلماء" ذكر هذا في شرحه لمسلم ج20، ص23.

وقال الحافظ بن حجر في شرح الحديث الذي فيه: "ليبلغ الشاهد الغائب فإن الشاهد عسى أن يبلغ من هو أوعى منه" قال الحافظ: وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم الحث على تبليغ العلم وجواز التحمل قبل كمال الأهلية وأن الفهم ليس شرطاً في الأداء. انظر هذا في فتح الباري، ج1، ص158 باب قول النبي: "رب مبلغ أوعى من سامع". فأنت كما ترى أن أصل مشروعية قيام العوام بالدعوة قد ثبت بما بيناه. إذن فلم يبقى من المسألة سوى إثبات الصورة التي يقوم بها جماعة التبليغ فإن الجماعة يخرجون العوام لغير بلادهم، ولكن الحديث الذي سقته عن ضمام فيه أن ضماما قام بالدعوة في قومه فقط دون غيرهم، حيث قال للنبي "وأني رسول قومي" وكذلك في حديث وفد عبد القيس الظاهر منه أن دعوتهم كانت لقومهم.

إلا أن هذا يرجع إلى أصل قولي -إن المقتضى لم يكن قائماً لإرسال العلماء من الصحابة بصورة جماعة التبليغ إلا أحياناً كما فعل رسول الله r مع أهل اليمن الذين أرسل معهم القراء فمن باب أولى أن يكون المقتضى غير قائم لإرسال العوام فإذا ثبت هذا لم يكن ترك السلف لإرسال العوام للدعوة بصورة جماعة التبليغ حجة في عدم المشروعية، حيث أنه قد وجد في زمننا المقتضى لإرسال العوام حسب ما قدمنا فثبتت مشروعية خروج العوام للدعوة بصورة خروج جماعة التبليغ، وأن لم يجر على ذلك عمل السلف ولتراجع المسألة قبل هذه فإن فيها سبب عدم وجود المقتضى.

ثم إن هناك إشكالاً آخراً يتعلق بخروج الجماعة وهو التحديد الوقتي في أيام منظمة محدودة مع أن ذلك لم يرد عن رسول الله r ولا عن الصحابة -رضي الله عنهم- فقد كان الصحابة يأمرون وينهون عن المنكر ويدعون إلى الخير دون تخصيص وقت كما تقول جماعة التبليغ أنهم يخرجون أربعة أشهر في العمر، وأربعين يوماً في السنة، وثلاثة أيام في الشهر، فما الدليل على مشروعية ذلك؟ فأقول الأمر كما قال في السؤال أن الصحابة -رضي الله عنهم- لم يكونوا يحددون هذا الترتيب لخروجهم سواء في الجهاد أو غيره من أبواب الدعوة ولكن نقول قد بينا فيما سبق أن أصل الخروج للمسلمين بصورة الانتظام لم تكن قائمة عند السلف حتى نقول لماذا لم يحدد الصحابة أوقاتاً لخروجهم ولكن جماعة التبليغ تحدد؟!

وثانياً: وأما عن السبب في أن الصحابة لم يكونوا يرتبون لأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر أوقاتاً محددة فذلك نظراً لعدم وجود المقتضى لهذا الترتيب، حيث أن الخليفة كان يقوم بإقامة جماعة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهم ما يسميهم الفقهاء أهل الحسبة، وكان بقية المسلمين يأمروا وينهوا حسب نشاطهم ووجود المنكر وعدمه، وأما أهل الحسبة فقد تم الأمر بهم، فليس هناك داعي لترتيب أيام محددة، أما لأهل الحسبة فهذا عملهم وتفرغوا له تفرغاً تاماً وأما غيرهم فلأن غيرهم قد كفاهم، وأما في أيامنا حيث عدم انتظام الأمور، فكانت الأحوال تقتضي بأن يوضع هناك ترتيب لتنظيم عمل الدعوة حيث لا إمام للمسلمين، وتفرق المسلمين وغير ذلك من الظروف التي لم تكن في السلف الصالح، وهذا يشبه تماماً ترتيب العلماء لأيام محدودة لدروسهم ووعظهم، ويشبه كذلك ما قام به العلماء من ترتيب كتب العلم لأيام محدودة لدروسهم ووعظهم، ويشبه كذلك ما قام به العلماء من ترتيب كتب العلم وتبويبها على أبواب الفقه التي لم يكن عليها عمل الصحابة -رضي الله عنهم- وكذلك يشبه ترتيب أيام محددة للمرابطين على بلاد الإسلام لوجود المقتضى لهذا الترتيب، وتنظيم عمل الجهاد فأي مقتضى لأن يكون هناك ترتيب للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أشد مما نحن فيه؟!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير