تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

خلاصة الأمر أن هذا الترتيب ألا وهو أربعة أشهر في العمر، وأربعين يوماً في السنة، وثلاثة أيام في الشهر إنما هو ترتيب بسبب قيام مقتضيه، ولم يعمل به السلف لعدم المقتضى لهذا الترتيب، سواء بمقدار هذه الأيام أو غيرها فلا مجال هنا لأحد أن يقول هذا بدعة لعدم قيام فعل السلف به والله أعلم خصوصاً أن جماعة التبليغ إنما وضعت هذه الأيام للترتيب والتدريب لا معنى مخصوص في ذاتها، أعني أن لها فضل دون غيرها، والدليل على أن الجماعة لا تدعي ذلك -أي التحديد- أمران:

الأول منهما: أقوال العلماء منهم وأكابرهم وقد سألت الشيخ زين العابدين فقلت له ما رأيكم بالخروج أعني الأربع شهور، والأربعين يوماً في السنة .. الخ.

فما الدليل؟ فقال: هذا للترتيب فقط.

ويقول الشيخ بالمبوري في بيانه في أحد الاجتماعات: نحن ما وجدنا في القرآن أربعة أشهر ولا سنة ولا جماعة أقدام والذي وجدنا أن الله اشترى من المؤمنين كل حياتنا وأموالنا" إلى أن قال الشيخ: "لما أن الله سبحانه وتعالى لم يطلب منا خروج سنة ولا أربعة أشهر فلماذا نحن نفعل هذا؟

الجواب حتى نتعود على التضحية بالمال والنفس في سبيل الله -عز وجل- وقال لنا الشيخ مرة "مرة كنت في جدة وعندما بدأ التشكيل قلت: من المستعد أربعين يوماً، فقام أحد الشباب فقال: يا شيخ لماذا أربعين فقط فقلت: مَن المستعد تسع وثلاثون يوماً" إلى غير ذلك من أقوال أكابرهم.

وأما الثاني: فوجود العمل على غير المعروف من أربعين يوماً في السنة، فهناك مثلاً من يخرج سنة ونصف، وهناك من يخرج عشرة أيام، وخمسة عشر يوماً، وغير ذلك كل بحسبه، فعلم من هذا أن الجماعة لا تحدد وقتاً دون سواه وإذا ثبت أن هذا ترتيباً وليس تحديداً وهو ترتيب لم يكن المقتضى له في زمن السلف، ومن تأتي مشروعية هذا الأمر وإنما أشكل على من أشكل عليه لعدم وجود نص فيه والله أعلم.

وبعد ذلك ننتقل إلى الإشكال الرابع ألا وهو لماذا تسمح الجماعة بخروج العوام مما يعرض هؤلاء العوام لأن يقعوا في الخطأ بسبب جهلهم بكثير من الكتاب والسنة؟ فأقول: إن الإشكال الثاني والذي كان منصباً على إثبات خروج العوام ومشروعية قيامهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحسب علمهم فقط دون التجاوز إلى غيره شيء، وأما هذا فهو عبارة عن سبب السماح لبعض العوام بالدعوة مع مخالفتهم لتوجيهات علمائهم فنجدهم يقولون مثلاً قال الله تعالى: ويأتون بالحديث والعكس.

وتجد بعض العوام يورد الآية أو الحديث ثم يقوم بشرحه من غير بينة إلى غير ذلك من الأمور التي تخالف الشرع ويقوم بها بعض هؤلاء العوام فكأن الذي يسأل يقول: أنا أقر بالسماح للعامي بأن يدعو إلى الله ولا يتعد علمه، وأما إذا تعدى علمه فلماذا تسمحوا لهذا العامي بالدعوة؟ والجواب على هذا يحتاج أولاً إلى إثبات قاعدة، وبعد ذلك نجيب.

يقوم الإمام الشاطبي في الموافقات الجزء الثاني، ص372: "وقد تكون المفسدة مما يلغي مثلها في جانب عظم المصلحة وهو مما ينبغي أن يتفق على ترجيح المصلحة عليه" ثم أورد الإمام الشاطبي مثالاً لذلك ثم قال: "ومثل هذا إذا اتفق يلغي في جانب المصلحة فيه ما يقع من جزئيات المفاسد فلا يكون له اعتبار".

وقال في الجزء الرابع، ص194 "والنظر في مآلات الأفعال معتبر مقصود شرعاً سواء كانت الأفعال موافقة أو مخالفة وذلك أن المجتهد لا يحكم على الأفعال الصادرة من المكلفين بالإقدام أو الإحجام إلا بعد نظره إلى ما يؤول إليه ذلك الفعل مشروعاً لمصلحة فيه تستجلب، أو لمفسدة تدرأ ولكن له مآل على خلاف ذلك فإذا أطلق القول في الأول بالمشروعية فربما أدى استجلاب المصلحة فيه إلى مفسدة تساوي المصلحة أو تزيد عليها فيكون هذا مانعاً من إطلاق القول بالمشروعية وكذلك إذا أطلق القول في الثاني بعدم المشروعية ربما أدى استدفاع المفسدة إلى مفسدة تساوي أو تزيد فيكون هذا مانعاً من إطلاق القول بعدم المشروعية فلا يصح القول بعدم المشروعية".

ثم أخذ الشيخ يثبت هذه القاعدة إلى أن قال: "وهذا ما فيه الاعتبار في المآل على الجملة وأما في المسألة على الخصوص فكثير" فقد قال في الحديث حين أشير عليه بقتل من ظهر نفاقه "أخاف أن يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه" وقوله: "ولولا قومك حديث عهدهم بكفر لأسست البيت على قواعد إبراهيم" إلى آخر ما قاله الشاطبي -رحمه الله-.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير