تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومما تقم للإمام رحمه الله نفهم أن الشارع ينظر إلى المصالح والمفاسد فما غلب منهما غلب حكمه ولزيادة البيان نورد الحديث الآتي:

أخرج البخاري عن جابر بن عبد الله يقول: غزونا مع رسول الله r وقد ثاب معه ناس من المهاجرين حتى كثروا وكان من المهاجرين رجل لعاب فكسع أنصارياً فغضب الأنصاري غضباً شديداً حتى تداعوا وقال الأنصاري: يا للأنصار. وقال المهاجري: يا للمهاجرين. فخرج النبي r فقال: "ما بال دعوى أهل الجاهلية - ثم قال: ما شأنهم فأخبر بكسعة المهاجري للأنصاري قال فقال النبي r دعوها فإنها خبيثة وقال عبد الله بن أبي سلول أفتداعوا علينا لإن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل فقال عمر: ألا تقتل يا نبي الله هذا الخبيث فقال النبي r لا يتحدث الناس أنه كان يقتل أصحابه" (انظر فتح الباري، ج6، ص546).

فأنت ترى أن النبي r لم يقتل هذا المنافق مع أنه ظهر نفاقه وعلل النبي r ذلك بقوله: "لا يتحدث الناس أنه كان يقتل أصحابه" فلما كان هذا الرجل ذو شوكة يحصل بقتله مفسدة لثائرة قومه، وكان ظن بعض الناس أنه مسلم فلو قتله رسول الله r لنفرت القلوب عنه فاقتضى الأمر تأليف قلوب الناس لأنه أعظم من مصلحة قتل هذا المنافق، فعند ذلك عمل رسول الله r بأخف الضررين وأعظم المصلحتين، مع أنك أيها القارئ الفاضل تعلم أن هذا المنافق كانت مهمته إيقاع الفتنة بين المسلمين وتحريض الكفار عليهم.

ونرجع إلى أصل المسألة فنقول: لا شك أن بعض العوام الذين يخرجون للدعوة يقعون في مثل تلك المخالفات المتقدمة إلا أنهم في الواقع قليلون جداً بالنسبة إلى باقي العوام الملتزمين بأصول المشائخ القائمين على هذا العمل، والدليل على ذلك الواقع المشاهد حتى أن هذه الجماعة اشتهر عنهم بالتواتر أو ما يشبهه أنهم لا يتكلمون في مسائل الفقه ولا الفتوى، فهم قليلون بالنسبة للآخرين فنحن عند ذلك نقول: لا شك والله أعلم أن المصلحة المترتبة على خروج العوام هؤلاء أعظم بكثير جداً من المفسدة التي تقع بسبب جهل بعضهم، أضف إلى ذلك أن العوام الذين يقعون في الخطأ هم بأنفسهم محتاجون إلى الفهم والعلم والعمل، فلو أننا منعناهم من الخروج مع الجماعة لترتب على ذلك مفسدة بالنسبة لهم كتقصير بعضهم في أوامر الله، وضعف بعضهم في محاربة الهوى والشيطان إلى غير ذلك من المفاسد، ومن هنا ظهر أن العوام الذين يقعون في الخطأ لا يتم علاجهم بمنعهم وإنما يتم الشفاء بتعليمهم وإرشادهم في داخل هذا العمل، وهذه مهمة كل عالم وطالب علم يخرج مع الجماعة، بل الأمر كما قال بعض فضلاء علماء أهل الحجاز أنه ينبغي على أهل العلم والبصيرة أن يخرجوا معهم ويعلموا جاهلهم ويسدوا النقص الذي قد يقع من بعضهم وهذا كلام قوي وجيد جداً لأنه منظور فيه لعظم المصلحة التي ترتبت على خروج هؤلاء العوام كدخول كثير من أهل الكفر في الإسلام، ورجوع أهل المعاصي إلى طاعة الله -عز وجل- فعلى طالب العلم أن ينظر إلى ما أثبته الشاطبي ثم ينظر إلى ما ذكرته مع النظر والتأمل في حديث البخاري فعند ذلك يتضح الجواب إن شاء الله والله المستعان.

ومما انتقدت به هذه الجماعة قول المعارض عنهم: إنهم لا يستعملون المنشورات والكتيبات وغيرها من وسائلي الكتابة في الدعوة إلى الله مع أن النبي r استعمل مثل هذه الوسائل، وهذا واضح من سنته وتتبع أخباره؟ فأقول في الجواب عن ذلك والله الموفق إن من المعلوم أن الفرائض عينية وكفائية فأما العينية فهي التي تتعين على كل أحد من المسلمين المكلفين وأما الكفائية فهي التي لا تتعين وإنما تطلب ممن يستطيع أن يقوم بالأمر أو كان بإمكانه إقامة غيره، يقول الإمام الشاطبي في الجزء الأول، ص176 المسألة الحادية عشر طلب الكفاية يقول العلماء بالأصول أنه متوجه على الجميع لكن إذا قام به بعضهم سقط عن الباقين وما قالوه صحيح من جهة كُلِّيِّ الطَّلب وأما من جهة جُزْئيَّهِ ففيه تفصيل وينقسم أقساماً ربما تتشعب تشعباً طويلاً ولكن الضابط للجملة من ذلك أن الطلب وارد على البعض ولا على البعض كيف كان ولكن على من فيه أهلية القيام بذلك الفعل المطلوب لا على الجميع عموماً. والدليل على ذلك أمور:

أحدهما: النصوص الدالة على ذلك كقوله تعالى:

] وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة [() الآية.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير