وأما العلماء فإن الاعتراض وارد عليهم وتوجيهه أن المعارض يقول إن السلف من لدن الصحابة والتابعين كانوا يبينون مسائل الخلاف حسب ما يترجح عند كل واحد منهم وهذا واضح لما هو منقول في سيرهم فعند ذلك فقولكم نحن لا نخوض في المسائل الخلافية يخالف ما كان عليه السلف.
فالجواب أنا نقول إن ما قال المعترض من أن علماء السلف كانوا يتكلمون في الخلافيات ويبينوها حق لا شك فيه ولكن هل كان هذا الأمر أعني الخوض في المسائل فرض على جميع علماء الأمة؟ الجواب أن هذا فرض كفاية بدليل أنا وجدنا السلف -رحمهم الله- (أقصد بعضهم) يتوقف عن الفتيا لوجود غيره وهذا معلوم جداً لا يخفى من منهج السلف. فإذا تقرر إن التحدث بالخلافيات فرض كفاية إذا وُجد طائفة من العلماء يبينوها فعند ذلك نقول هب أن علماء التبليغ لا يتدخلوا في المسائل فعند ذلك نقول إن هذا فرض كفاية فيسقط الاعتراض.
إلا أن هاهنا نظراً وهو أنه قد يكون الأمر كذلك بشرط أنهم لا ينكرون بيان الخلافيات من غيرهم فالجواب أننا سنبين أنهم لا ينكروا الخلافيات من جميع العلماء وإنما يمنعون ذلك ضمن خروجهم فحسب. فقد كفاهم البحث في الخلافيات وهم قد كفوا غيرهم بجهد السفر للدعوة والتنقل بها وهذا ينطبق تماماً على القاعدة التي قررها الشاطبي بأن فروض الكفاية يجب أن توزع في الأمة.
فإن قيل فهل هناك مصلحة من ترك البحث في الخلافيات ضمن خروج التبليغ. قلنا نعم ألا وهي تأليف القلوب على الفضائل واجتماعها على الألفة وحتى لا تؤدي هذه الخلافيات لتفرق القلوب وبعد ذلك لا بأس بالتدخل بالخلافيات -أقصد بعد تأليف القلوب.
فإن قيل يلزم من هذا أن العلم قد يفرق ويأتي بالشحناء وهذا القول يصعب تبينه.
فنقول ليس الأمر كذلك وإنما عدم فهم العلم هو الذي يؤدي إلى ذلك لا العلم نفسه وإليك هذين الحديثين فإن فيهما بيان للاعتراض -فتدبر-
أخرج البخاري في صحيحه عن رسول الله r قال: "اقرءوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم فإذا اختلفتم فقوموا عنه" رواه عن جندب بن عبد الله البجلي قال: قال رسول الله .. في باب كراهية الاختلاف.
وأخرج البخاري بسنده -في باب تأليف القرآن- أخبرني يوسف بن ماهك قال إني عند عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- إذ جاءها عراقي، فقال: أي الكفن خير؟؟ "قالت ويحك وما يضرك قال يا أم المؤمنين أريني مصحفك قالت: لم؟ قال: لعلي أؤلف القرآن عليه، فإنه يقرأ غير مؤلف، قالت: وما يضرك أيه قرأت قبل إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا: لا ندع الخمر أبداً ولو نزل لا تزنوا لقالوا: لا ندع الزنا أبداً. لقد نزل بمكة على محمد r وإني لجارية ألعب. بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر. وما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده. قال: فأخرجت له المصحف فأملت عليه آي السور".
ثم قال الحافظ (قوله "نزل الحلال والحرام") أشارت إلى الحكمة الإلهية في ترتيب التنزيل وأن أول ما نزل من القرآن الدعاء إلى التوحيد والتبشير للمؤمنين والمطيع بالجنة والعاصي بالنار فلما اطمأنت النفوس على ذلك أنزلت الأحكام ولهذا قالت: ولو أنزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا لا ندعها وذلك لما طبعت عليه النفوس من النفرة على ترك المألوف .. الخ ما قال.
قلت: وفي هذين الحديثين جواب واضح عن الإشكال بعد التأمل وربط البحث أوله بآخره والله المستعان.
وأما قول المعترض لماذا لا يشاركون في الانتخابات … الخ فهو ساقط لوجوه:
1 - عدم ثبوته عنهم بل الثابت في ذلك خلاف بين أكابرهم والدليل على ذلك يقول الشيخ بالمبوري: (ونتجنب السياسة والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين) وسيأتي نصه بعد ذلك. ويقول الشيخ عبد الوهاب: (ونتجنب اصطلاح السياسة .. ) وسيأتي كذلك. وقلت للشيخ زين العابدين إن عندنا بعض الأخوة من غير جماعة التبليغ يشاركون في الانتخابات في الجامعة مثلاً وهم ملتزمون وينافسهم في الانتخابات شيوعيون مثلاً. فهل يجوز أن نشارك في هذه الانتخابات حتى يعلو الأخوة الملتزمون فقال الشيخ: نعم) وقلت للشيخ نذر الرحمن هل يمكن أن نشترك في الانتخابات فقال: نعم ونحن هنا نشترك في الانتخابات عند المصلحة) ويقول الشيخ غلام (وكنت اشتركت في الانتخابات فغضب المشائخ لذلك)
¥