كتبهم، وخصوصاً الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله- ثم أننا وجدنا أبا القاسم r قد كان يقع الخلاف بين يديه في استنباط الحكم الشرعي ومع ذلك لم ينكر على المختلفين اختلافهم، ولإثبات ما أقول إليك هذا الحديث الصحيح.
أخرج مسلم في صحيحه عن النبي r عندما أرسل أصحابه لقتال بني قريظة: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يُصَلِّينَّ العصر إلا في بني قريظة". فصلى بعضهم قبل أن يصل إلى بني قريظة خشية فوات الوقت، وأخر بعضهم العصر حتى صلاها في بني قريظة، فلما رجعوا إلى رسول الله r لم يعنّف أحداً منهم أقول لو كان مثل هذا الخلاف مذموم لذمه رسول الله r ولم يقره فلما أقره دل ذلك على أن مثل هذا الخلاف غير مذموم.
خلاصة ما أردت قوله في هذا البحث أن ما كان من الخلاف من هذا القبيل أي لعدم صراحة الدليل فليس فيه حرج ولا تشمله أدلة ذم الخلاف، والسنة توضح القرآن وتفسره ولا تخالفه.
وبعد كل ما قلته أرى أنه قد آن بيان ما هو الخلاف المذموم؟
فأقول: أن الخلاف المذموم على ضربين:
1 - خلاف مع حكم شرعي من كتاب الله أو من سنة رسول الله r ولمثل هذا قال الشافعي () -رحمه الله- "وإذا ثبت عن رسول الله r الشيء فهو اللازم لجميع من عرفه لا يقويه ولا يوهنه غيره بل هو الفرض الذي على الناس اتباعه ولم يجعل الله لأحدٍ أمراً يخالف أمره".
2 - وأما الخلاف الآخر المذموم كذلك هو الخلاف الذي يفرق كلمة المسلمين وجمعهم ويضيع وقتهم فمثل هذا الخلاف هو الذي ذمه الله في كتابه ورسول الله في حديثه وإذا تقرر ذلك فها هنا سؤال:
ما هو العلاج عند وقوع مثل هذا الخلاف في الأمة؟
والجواب في كتاب الله قال تعالى:
] فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خيراً وأحسن تأويلاً [().
من هذا القبيل وجب على المختلفين أن يرجعوا خلافهم إلى كتاب ربهم وإلى سنة نبيهم فبالرجوع إلى كتاب ربهم وسنة رسولهم تتضح الأمور، وأما الرجوع إلى غيرهما فلا يزيد الأمر إلا شدة، وإنما نرجع إلى الله ورسوله عن طريق فهم السلف لأن الله يقول: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين).
فإن تقرر ذلك وهو أنه يجب الرجوع إلى الكتاب والسنة إذاً فليس من العيب أن يستدرك التلميذ على شيخه لشيء يفوته إذن فلا يعيني حينئذٍ أن استدرك في هذا البحث على بعض من تكلم في جماعة التبليغ من تكلم في جماعة التبليغ وأنا حينما أفعل ذلك لا أفعله لهوى في نفسي بل إظهاراً للحق وإثباتاً للدليل، والحق لا يعرف بالرجال، وإنما الرجال بالحق يعرفوا، ولا يعني ذلك أي تعقبي لهؤلاء الأخوة الأفاضل التنقص من قدرهم أو تتبع أخطاءهم وإنما الغرض من ذلك التتبع الكشف عن الحق أينما كان، ومع من كان، ولقد بشر رسول الله r الذي يسعى إلى الحق ببشارة عظيمة فقال: "إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر وإن اجتهد فأصاب فله أجران؟ فالمصيب منا سيكون له أجران والمخطئ سيكون له أجر واحد ونرجو هذا من الله تعالى.
وبعد هذه المقدمة فلنشرع مستعينين بالله في إيراد بعض الرسائل التي ألفت في الرد على جماعة التبليغ ومدى صحة ما قيل في هذه الرسائل حول هذه الجماعة أو بطلانه وفي كل ذلك نتبع قول الشافعي -رحمه الله- (ولا يحل لمن استبانت له سنة رسول الله r أن يدعها لقول أحد من الناس) نسأل الله تعالى أن يوفقنا للحق أينما كان ويأخذ بأيدينا إليه ولا يكلنا إلى أنفسنا فنهلك آمين .. آمين. والحمد لله رب العالمين.
الرسالة الأولى: السراج المنير في تنبيه جماعة التبليغ على أخطاءهم:
أقول وبالله أعتصم وألتجئ: كان من بين من تكلم في جماعة التبليغ الشيخ الدكتور/ محمد تقي الدين الهلالي -حفظه الله- ولقد قدمت من قبل قليل أنه يجب الرجوع إلى كتاب الله وإلى سنة رسول الله في أي أمر اختلف فيه فليس من العيب الرد على الشيخ الهلالي إن أخطأ في بحثه وإنما العيب هو السكوت عن الحق. فلنبدأ برسالة الشيخ ومناقشتها.
يقول الشيخ بعد مقدمته: "ظهرت في القرن الرابع عشر في بلاد المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها دعوة عرف أهلها بالإخلاص لها والصبر وتحمل المشاق في نشرها والاستماتة، وبذل النفس والنفيس في خدمتها ألا وهي دعوة قوم يسمون أنفسهم أهل التبليغ".
¥