وفيما قال الشيخ صواب وخطأ، فأما صوابه فما وصفه من جهد أهل التبليغ في نشر الدعوة -سواء كانت حقاً أو باطلاً- حق لا مرية فيه وأما خطأه فقوله إن جماعة التبليغ سموا أنفسهم بهذا الاسم، لأن الذي نعلمه من مشائخ التبليغ أن هذا الاسم إنما غلب عليهم من قبل الناس. يقول الشيخ بالمبوري وقد سمعت منه ذلك مشافهة "والشيخ إلياس عندما أسس هذا العمل سُئل ما اسم هذه الجماعة فلم يضع الشيخ لها اسم، وإنما الناس هم الذين أطلقوا علينا هذا الاسم وقالوا جماعة التبليغ ولكن نحن لم نرد ذلك".
وقد تقدم قريباً مثل ذلك الكلام عن الشيخ الحمداوي.
ويتابع الشيخ الهلالي فيقول: "ووضعوا لدعوتهم أركاناً ستة مدارها على السياحة فهي الركن الأساسي عندهم، فهي بمنزلة الشهادتين عند أهل الاستقامة فمن قبلها واشتغل بها أحبوه وأكرموه وغفروا له تقصيره وضلاله وبدعته، ومن خالفهم فيها لم يقبلوا منه شيئا وإن كان مؤدياً لجميع الواجبات قائماً بالفرائض والسنن متبعاً لأقوم السنن فهي خلاصة دينهم عليها يوالون ويعادون ويحبون ويبغضون".
قلت: وهذا الكلام من الشيخ إن دل على شيء فإنما يدل على أن المؤلف لم يخالط هذه الدعوة ولم يعرفها، وبيان ذلك كما يأتي:
1 - : "ووضعوا لدعوتهم أركاناً ستة" هذا التعبير لا يصح عنهم ولا عندهم لأنهم لا يسمونها أركاناً بل يسمونها صفاتاً وهم وضعوها للتدريب عليها وقد وضحت ذلك في الفصل الثاني.
2 - وقول المؤلف: "مدارها على السياحة" الذي نعلمه أن مدار دعوتهم حسب قولهم على الشهادتين ويقولوا أن المقصد هو إحياء الدين في العالم كله، وإنما هذا الخروج والذي يسميه المؤلف على حد تعبيره سياحة وسيلة لإحياء هذا المقصد، وليس غاية، وقد وضحت في الفصل الثاني مشروعية وسيلة الخروج فراجعه.
3 - قول المؤلف عن خروج التبليغ "هي بمنزلة الشهادتين عند أهل الاستقامة" جواب ذلك أن المؤلف لم يعزُ هذا إلى أحد منهم حتى نرد عليهم فالحق أن نثبت ثم نرد لا الرد قبل الإثبات.
4 - وقوله: "الركن الأساسي عندهم" ورد ذلك يقول الشيخ بالمبوري:
وهذه الصفات الستة ليست أركان الدين إنما الأركان هي خمسة فقط ولا يقوم مقامها غيرها وإنما هذه الصفات ليست الدين كله بل هي تمرين على القيام بالدين فقط".
5 - وقول المؤلف: "فمن قبلها واشتغل بها أحبوه وأكرموه وغفروا له ذنوبه وتقصيره وضلاله وبدعته" وقد التقيت بآلاف العاملين بهذه الدعوة من مشائخ وأفراد فلم نسمع من ذلك شيء البتة وهذا كسابقه لم يعزه الشيخ إلى أحد من علماءهم بل ولا من عوامهم.
6 - وقوله: "ومن خالفهم فيها لم يقبلوا منه شيئا وإن كان مؤدياً لجميع الواجبات قائماً بالفرائض والسنن".
وهذا كسابقه وكما ورد في الأصول إن كنت مدعياً فالدليل، وإن كنت ناقلاً فالصحة، ولقد سألت الشيخ أحمد لات هل توجبون خروج الناس في دعوتكم؟ فضحك وقال: نحن لا نقول ذلك ومن يقول ذلك؟!
ويتابع المؤلف بحثه فيقول: "وهي خلاصة دينهم عليها يوالون ويعادون ويحبون ويبغضون" وجواب ذلك أن هذا من جنس سابقه والقاعدة عند أهل العلم إن كنت ناقلاً فالصحة، وإن كنت مدعياً فالدليل، ومشائخ التبليغ يقولون إن دعوتهم وسيلة لإحياء الدين كله في العلم كله بإذن الله ويتابع المؤلف فيقول: "وقد ترتب على دعوتهم مفاسد عظيمة في الدين والدنيا" ثم أخذ المؤلف يبين هذه المفاسد فقال: "فأولها الابتداع في الدين ومخالفتها سنة رسول الله r".
وأقول إن هذا خطأ من مؤلفه، وقد بنى هذا كله على ما نقله عن محمد أسلم -رحمه الله- فليس الآن مقام رد هذا الكلام ولكن سيأتي في الرد أثناء كلامه بعض ما قصده من هذه البدع والمفاسد، وأما البند الآخر الذي قاله الشيخ من المفاسد "من تضييع العيال والوالدين والأزواج وهدر حقوقهم ومنها صرف المتعلمين عن تعلم العلوم النافعة في الدين والدنيا ومنها تعطيل تجارة التجار، وتضييع أهلهم ومن يعيش معهم أو يأخذ منهم صدقة أو زكاة، فكم من أولاد فصلوهم عن آبائهم وأمهاتهم، وكم من بعول فصلوهم عن أزواجهم وأولادهم، فصار هؤلاء يشتكون إلى الله ثم إلى الناس من الإفساد العظيم والتضليل الكبير" ولنأت لمناقشة هذا الكلام فأقول:
1 - الذي نعرفه عن مشائخ التبليغ أنهم لا يسمحون بالخروج إلا بإذن الوالدين.
¥