ففي بريطانيا كانت حماية الصناعة الوطنية بأوامر ملكية، بعد أن لمس ملوكها تقدم صناعة الصوف في بلجيكا، فمنعوا استيراد الملابس من الخارج، كما ساعدوا صادراتهم إلى المستعمرات، ومنعوا المستعمرات من ممارسة صناعة المنسوجات، كما حدث في الهند.
وفي بعض المراحل، فرضوا ضرائب على الصناعات المحلية في المستعمرات، من أجل وضع تنافسي للصادرات البريطانية في هذه المستعمرات.
ويذكر الكاتب العبارة الآتية ليلخص موقف بريطانيا من حرية التجارة "نلاحظ أن بريطانيا تبنت التجارة الحرة بأسلوب بطيء ومؤلم، لقد استغرق الأمر نحو 84 سنة".
ومع ذلك لم تتبن بريطانيا التجارة الحرة بشكل دائم ولكن على فترات قصيرة، وعادت بعدها في مطلع القرن العشرين لحماية شبه كاملة.
ونفس المنهج اتخذته أميركا بفرض معدلات عالية على الواردات الصناعية، وحرصها على سلوك المجال الصناعي ورفضها لنصائح أبي الاقتصاديين آدم سميث، بألا يقدموا أي دعم للصناعات، وأن يظلوا بلدا زراعيا، فماذا لو أن الأميركيين أصغوا لنصائح آدم سميث؟
ويذكر المؤلف ما أطلقه المؤرخ الاقتصادي البارز بول باروخ عن أميركا بقوله "أميركا الدولة الأم وحصن الحمائية الحديثة". ولم تتجه أميركا إلى حرية التجارة إلا بعد الحرب العالمية الثانية، وثبات تقدمها الصناعي.
فرنسا فعلت نفس الشيء فقد ظلت تفرض الحماية الكبيرة على صناعتها، وعرف عنها التجسس الصناعي، وكانت تسمي من يقوم بالتجسس الصناعي "مفتش الصناعات الأجنبية" وهو ما أطلق عليه المؤلف تعبير "تلطفا".
ولم يقتصر هذا السلوك على فرنسا فقط بل مارسته دول عديدة منها روسيا والسويد وهولندا وبلجيكا. وحتى التجارب الحديثة لليابان ودول جنوب شرق آسيا اعتمدت على سياسات دعم الصادرات، وتعريفات جمركية وفق منهج "حماية الصناعات الوليدة".
ممارسة المؤسساتية وعلاقتها بالتنمية
كثيرا ما تطالب اليوم الدول المتقدمة، بأن تتبع الدول النامية إنشاء مؤسسات معينة وبشكل وحجم معين، وآلية عمل معينة.
ويرى المؤلف أن وجود هذه المؤسسات وإن كان ضروريا، إلا أنه ينبغي أن يكون حسب احتياجات الدول النامية نفسها، ووفق متطلبات برامجها التنموية.
ويذهب المؤلف ليقارن بين وضع الدول النامية الآن وما تمتلكه من مؤسسات، وما كانت عليه الأوضاع في الفترة التي كانت فيها الدول المتقدمة تمر بنفس الظروف، ويصل لنتيجة أن أوضاع الدول النامية الآن أفضل بمراحل.
ويضرب لذلك مثلا بمؤسسة الديمقراطية، وكيف أن عملية التصويت مرت بمراحل عدة في البلدان المتقدمة في بداية مشوارها الديمقراطي، حيث كان حق التصويت مقتصرا على مجموعة من الذكور أولا، ثم شمل كافة الذكور البالغين، ثم بعد ذلك وفي وقت متأخر سمح للنساء بالتصويت في الانتخابات العامة.
بينما في الدول النامية الآن حصل جميع الأفراد البالغين على حق التصويت والانتخاب في فترة وجيزة.
ففي فرنسا على سبيل المثال لا الحصر كان في منتصف القرن التاسع عشر لا يعطى حق الانتخاب إلا للذكور البالغين ثلاثين عاما، ودفعوا ضرائب مباشرة بلغت ثلاثمائة فرنك.
والأمر الآخر في وضع البنوك المركزية ودورها، أو أجهزة منع الاحتكار وتنظيم التنافس، ففي بريطانيا صدر قانون ينهي الاحتكار وينظم المنافسة في منتصف القرن العشرين، أي بعد فترات طويلة من الممارسات التجارية الخاطئة.
أما مسألة عمالة الأطفال، وكيف أنها استغرقت وقتا طويلا في الغرب، طوال القرن التاسع عشر، والدول الغربية واحدة تلو الأخرى تصدر قوانين منظمة لعمل الأطفال من حيث الأنشطة التي يجب أن يعملوا فيها، وكذلك شروط العمل، وظروفه, إلى أن وصلت إلى حد التجريم.
بينما تذهب الدول المتقدمة الآن لإصدار عقوبات من قبل منظمة التجارة العالمية ضد الدول النامية التي يعمل بها أطفال.
"
عملية ركل السلم بعيدا تتم عبر سيناريوهين، الأول ما يمكن أن نطلق عليه "حسن النوايا" ويكون ذلك مبنيا على جهل من يتبنى هذه السياسة بمعرفة تاريخ البلاد المتقدمة, والثاني أن يتم عبر ما يسمى "سوء النوايا" وينبني على إطار المصلحة من بقاء هذا الفارق بين الدول المتقدمة والنامية
"
ركل السلم
¥