تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وَالْمُلَحِ الْمَاتِعَةِ، مَا يَجُولُ مَعَهُ النَّاظِرُ فِى رِيَاضِ السُّنَّةِ، لِيَكُونَ حَادِيَاً لَهُ إِلَى رَوْضَاتِ الْجَنَّةِ.

وَقَدْ أَبَانَ الإِمَامُ الْجِهْبِذُ أَبُو زَكَرِيَّا النَّوَوِيُّ عَنِ الْغَايَةِ الَّتِي لأَجْلِهَا صَنَّفَ هَذَا الْكِتَابَ الْجَامِعَ، فَقَالَ:

«فَرَأَيْتُ أَنْ أَجْمَعَ مُخْتَصَرَاً مِنَ الأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مُشْتَمِلاً عَلَى مَا يَكُونُ طَرِيقَاً لِصَاحِبِهِ إِلَى الآخِرَةِ، وَمُحَصِّلاً لآدَابِهِ الْبَاطِنَةِ وَالظَّاهِرَةِ، جَامِعَاً لِلتِّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ، وَسَائِرِ أَنْوَاعِ آدَابِ السَّالِكِينَ: مِنْ أَحَادِيثِ الزُّهْدِ، وَرِيَاضَاتِ النُّفُوسِ، وَتَهْذِيبِ الأَخْلاقِ، وَطَهَارَاتِ الْقُلُوبِ وَعِلاجِهَا، وَصِيَانَةِ الْجَوَارِحِ وَإِزَالَةِ اعْوِجَاجِهَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَقَاصِدِ الْعَارِفِينَ».

وَقَالَ: «أَرْجُو إِنْ تَمَّ هَذَا الْكِتَابُ أَنْ يَكُونَ سَائِقَاً لِلْمُعْتَنِي بِهِ إِلَى الْخَيْرِاتِ، حَاجِزَاً لَهُ عَنْ أَنْوَاعِ الْقَبَائِحِ وَالْمُهْلِكَاتِ».

وَقَدْ وَفَّى الإِمَامُ الْعَلاَّمَةُ بِالْغَايَةِ الَّتِي لَهَا تَصَدَّى، فَلَمْ يَزَلْ كِتَابُهُ لِلْمُعْتَنِي بِهِ إِلَى الْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ سَائِقَاً حَادِيَاً، وَإِلَى دَقَائِقِ الْفِقْهِ مُرْشِدَاً هَادِيَاً.

وَقَدْ لَطَفَ فِى غَايَتِهِ ابْتِدَاءَاً وَاخْتِتَامَاً، وَأَعْجِبْ بِهَا مِنْ لَطَافَةٍ، إذْ افْتَتَحَهَ بِقَوْلِ الصَّادِقِ الْمَصْدُوقِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى»، وَاخْتَتَمَهَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: تُرِيدُونَ شَيْئَاً أَزِيدُكُمْ، فَيَقُولُونَ: أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا، أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ، وَتُنَجِّنَا مِنْ النَّارِ!، قَالَ: فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ، فَمَا أُعْطُوا شَيْئَاً أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ».

وَلَكِنْ لَمْ يَخْلُ الْكِتَابُ مِنْ ضِعَافِ الأَحَادِيثِ وَالْمَرْوِيَّاتِ، الَّتِي قَدْ يُخْتَلَفُ عَلَى عَدَدِهَا وَأَعْيَانِهَا، مَعَ الْقَطْعِ بِأَنَّهَا مَغْمُورَةٌ إِلَى جَانِبِ الْكَثْرَةِ الْكَاثِرَةِ مِنْ أَحَادِيثِ «الصَّحِيحَيْنِ»، وَالأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَالْحَسَنَةِ بِذَاتِهَا أَوْ بِغَيْرِهَا فِي مُصَنَّفَاتِ الْفُحُولِ الرُّفَعَاءِ، وَالأَئِمَّةِ النُّبَلاءِ، كَالتِّرْمِذِيِّ وَابْنِ خُزَيْمَةَ وَابْنِ حِبَّانَ وَالْحَاكِمِ وَالْمَقْدِسِيِّ، وَمَنْ نَحَا نَحْوَهُمْ فِي بَيَانِ الصَّحِيحِ وَالْحَسَنِ.

عَلَى أَنَّنَا نَجْزِمُ عَنْ يَقِينٍ، وَاسْتِقْرَاءٍ تَامِّ: أَنَّ الإِمَامَ الْحَافِظَ أَبَا زَكَرِيَّا النَّوَوِيَّ كَانَ أَحَدَ الْمُحَقِّقِينَ الْمُدَقِّقِينَ الْعَارِفِينَ بِفُنُونِ عِلْمِ الْحَدِيثِ، وَلَهُ فِيهَا التَّحْقِيقَاتُ السَّنِيَّةُ الْمَاتِعَةُ، وَالْمُصَنَّفَاتُ الشَّائِعَةُ النَّافِعَةُ، وَالَّتِي أَشْهَرُهَا وَأَنْفَعُهَا كِتَابُ «التَّقْرِيبِ وَالتَّيْسِيرِ لِمَعْرِفَةِ سُنَنِ الْبَشِيْرِ النَّذِيْرٍ»، وَالَّذِي شَرَحَهُ الْحَافِظُ الْجَلالُ السُّيُوطِيُّ فِى كِتَابِهِ «تَدْرِيبُ الرَّاوِي بِتَقْرِيبِ النَّوَاوِيِّ».

قَالَ الْحَافِظُ السُّيُوطِيُّ فِى «تَدْرِيبِ الرَّاوِي»: «فَرَأَيْتُ كِتَابَ «التَّقْرِيبِ وَالتَّيْسِيرِ» لِشَيْخِ الإِسْلامِ الْحَافِظِ، وَلِي اللهِ أَبِي زَكَرِيَّا النَّوَوِيِّ، كِتَابَاً جَلَّ نَفْعُهُ، وَعَلا قَدْرُهُ، وَكَثُرَتْ فَوَائِدُهُ، وَغَزَرَتْ لِلطَّالِبِينَ مَوَائِدُهُ».

وَلَوْ نُبِذَ كُلُّ كِتَابٍ لأَخْطَاءٍ فِيهِ أَوْ غَلَطٍ، أَوْ صَدَرَ مِنْ مُصَنِّفِهِ تَقْصِيْرٌ يَسِيْرٌ أوْ شَطَطٌ، لِضَاقَتْ سُبُلِ الْعِلْمِ وَالتَّعَلِّمِ، وَمَا انْتَفَعَ أَحَدٌ بِدَرْسٍ وَلا انْصَتَ إِلَى مُعَلِّمٍ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير