فَقَدْ ضَعَّفَ الشَّيْخُ الأَلْبَانِيُّ أَحَادِيثَاً مِمَّا احْتَوَاهُ «رِيَاضُ الصَّالِحِينَ»، وَقَلَّدَهُ عَلَيْهَا كَثِيْرُونَ مِمَّنْ لَمْ يُمْعِنُوا النَّظَرَ وَالْفَهْمَ لِدَقَائِقِ مَذْهَبِهِ فِى التَّضْعِيفِ!.
وَقَدْ رَجَّحْتُ الْقَوْلَ بِصِحَّتِهَا، ثُمَّ رَأَيْتُ أَنْ أُفْرِدَ بِالْبَحْثِ وَالتَّبْيِينِ هَذِهِ الأَحَادِيثَ الَّتِي ضعَّفها الأَلْبَانِيُّ، وَهِيَ عِنْدَ النَّاقِدِ الْمُحَقِّقِ عَلَى خِلافِ مَا حَكَمَ الأَلْبَانِيُّ!، سِيَّمَا مَعَ إِيْدَاعِ أَئِمَّةِ الصِّحَاحِ إِيَّاهَا فِى صِحَاحِهِمْ، كَابْنِ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ حِبَّانَ، مَعَ اخْتِلافِ مَرَاتِبِ الصَّحِيحِ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ، كَمَا فَصَّلْتُهُ فِى «دَلائِلِ التَّوْضِيحِ إِلَى مَرَاتِبِ الصَّحِيحِ».
وَفِى كَلامِ الشَّيْخِ رَحِمَهُ اللهُ وَطَيَّبَ ثَرَاهُ جُمُلٌ مِنَ الأَغَالِيطِ الَّتِي لا تَخْفَى عَلَى الْعَارِفِ الْمُدَقِّقِ، وَلَرُبَّمَا أَحْجَمَ كَثِيْرُونَ عَنِ التَّعْقِيبِ وَالتَّصْحِيحِ لَهَا تَوْقِيْرَاً لِلشَّيْخِ وَمَحَبَّةً لَهُ، وَهُوَ جَدِيْرٌ بِهِمَا، وَلَكِنَّ الْحَقَّ أَحَقُّ أنْ يُتَّبَعَ، وَإِنَّمَا «الدِّينُ النَّصِيحَةٌ».
وَقَدْ سَلَكْنَا عَلَى الإِنْصَافِ قَصْدَ السَّبِيلِ، وَلا بِدْعَ فِي أَنْ يُعْطَى الْمَحْبُوبُ حُكْمَ السَّغَبِ وَالتَّبْتِيلِ.
يَا ابْنَ الأَعَارِبِ مَا عَلَيْنَا بَاسُ ... لَمْ نَأْتِ إِلاَّ مَا أَتَاهُ النَّاسُ
«فَلَسْنَا نَدَّعِي لِغَيْرِ مَعْصُومٍ عِصْمَةً، وَلا نَتَكَلَّفُ تَقْدِيرَ مَا نَعْتَقِدُهُ غَلَطَاً بِأَنَّ ذَلِكَ أَبْهَجُ وَصْمَةٍ، فَالْحَقُّ أَوْلَى مَا رُفِعَ عَلَمُهُ، وَرُوعِيتْ ذِمَمُهُ، وَوُفِّيتْ مِنَ الْعِنَايَةِ قِسَمُهُ، وَأَقْسَمُ الْمُحَقِّقُ أَنْ لا يَعَافَهُ فَبَرَّ قَسَمُهُ، وَعَزَمَ النَّاظِرُ أَنْ يَلْزَمَ مَوْقَفَهُ فَثَبَتَتْ قَدَمُهُ».
وَلَرُبَّمَا أَلْزَمْتُ الشَّيْخَ بِلازَمِ مَذْهِبهِ فِى التَّصْحِيحِ الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ ثَنَايَا تَصْحِيحَاتِهِ لأَحَادِيثِ «السِّلْسِلَةِ الصَّحِيحَةِ». فَقَدْ صَحَّحَ جُمْلَةً مِنَ الأَحَادِيثِ الَّتِي لَهَا أَشْبَاهٌ وَنَظَائِرُ فِى «السِّلْسِلَةِ الضَّعِيفَةِ»، كَانَ يَنْبَغِي بِنَاءاً عَلَى مَذْهَبِهِ أَنْ تَأْخُذَ حُكْمَهَا، أَوْ تُنْقَلَ تِلْكَ الأَشْبَاهُ وَالنَّظَائِرُ إِلَى «الصَّحِيحَةِ»، وَثَانِي الْحُكْمَيْنِ أَلْيَقُ بِالْمَقَامِ، وَأَوْفَقُ لِمُقْتَضِيَاتِ الْقَوَاعِدِ الْحَدِيثِيَّةِ عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِهَذَا الْعِلْمِ.
وَقَدْ يَحْضُرُنِي لِلْوَهْلَةِ الْعَاجِلَةِ: مِثَالٌ وَاضِحٌ عَلَى التَّنَاقُضِ فِى الْحُكْمِ عَلَى الأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ، وَهُوَ حَدِيثُ «لا تُكْثِرُوا الْكَلامَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللهِ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الْكَلامِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللهِ قَسْوَةٌ لِلْقَلْبِ، وَإِنَّ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنَ اللهِ الْقَلْبُ الْقَاسِي».
أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ (2411)، وَالْوَاحِدِيُّ «الْوَسِيطُ» (1/ 27/2)، وَالْبَيْهَقِيُّ «شُعَبُ الإِيْمَانِ» (4/ 245/4951) جَمِيعَاً مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ حَاطِبٍ الْجُمَحِيِّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعَاً بِهِ.
وَقَالَ أَبُو عِيسَى: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، لا نَعْرِفُهُ إِلاَّ مِنْ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ».
قُلْتُ: هُوَ كَمَا قَالَ أَبُو عِيسَى، وَلا يُرَدُّ حُكْمُهُ وَلا يُنْقَضُ، فَقَدْ حَكَمَ فَأَنْصَفَ، وَمَا شَطَّ وَلا اعْتَسَفْ، فَللهِ دَرُّهُ.
فَهَذَا إِسْنَادٌ رِجَالُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ مَشَاهِيْرٌ، غَيْرُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ حَاطِبٍ الْجُمَحِيِّ. وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِى «كِتَابِ الثِّقَاتِ» فَقَالَ: «رَوَى عَنْهُ: عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ، وَعَلِىُّ بْنُ حَفْصٍ الْمَدَائِنِيُّ».
¥