تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقوله عز وجل: وبأيمانهم [الحديد:12] أي وبأيمانهم كتبهم، كما قال: فمن أوتي كتابه بيمينه [الانشقاق:7]. أي يقول لهم من يتلقاهم من الملائكة: بشراكم أي المبشر به جنات، أو بشراكم دخول الجنات، قال ابن القيم رحمه الله: وكيف يقدر قدر دار خلقها الله بيده، وجعلها مقرا لأحبابه، وملأها من رحمته وكرامته ورضوانه، ووصف نعيمها بالفوز العظيم، وملكها بالملك الكبير، وأودعها الخير بحذافيره وطهرها من كل عيب وآفة ونقص، فإن سألت عن أرضها وتربتها فهي المسك والزعفران، وإن سألت عن سقفها فهو عرض الرحمن، وإن سألت عن بلاطها فهو المسك الأذفر، وإن سألت عن حصبائها فهو اللؤلؤ والجوهر، وإن سألت عن بنائها فلبنة من فضة ولبنة من ذهب، وإن سألت عن أشجارها فما فيه شجرة إلا وساقها من ذهب أو فضة لا من الحطب والخشب، وإن سألت عن ثمارها فأمثال القلال ألين من الزبد وأحلى من العسل، وإن سألت عن ورقها فأحسن ما يكون من رقائق الحلل، وإن سأل عن أنهارها فأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذة للشاربين، وأنهار من عسل مصفى.

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: ((لقاب قوس أحدكم في الجنة خير مما طلعت عليه الشمس أو تغرب)) ([1]).

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله قال الله عز وجل: ((أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر)) مصداق ذلك في كتاب الله: فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون [السجدة:17].

فيا عجبا ممن يؤمن بدار هذه صفتها، ويوقن بأنها لا يموت أهلها، ولا تحل الفجائع بمن نزل بفنائها، ولا تنظر الأحداث بعين التغيير إلى أهلها، كيف يأنس بدار قد أذن الله في خرابها، ويهنأ بعيش دونها، والله لو لم يكن فيها إلا سلامة الأبدان، مع الأمن من الموت والجوع والعطش وسائر أصناف الحدثان، لكان جديرا بأن يهجر الدنيا بسببها وأن لا يؤثر عليها ما التصرم والتنغص من ضرورته.

كيف وأهلها ملوك آمنون، وفي أنواع السرور متمتعون، لهم فيها ما يشتهون، وهم في كل يوم بفناء العرش يحضرون، وإلى وجه الله الكريم ينظرون، وينالون بالنظر إلى وجه الله ما لا ينظرون معه إلى سائر نعيم الجنان ولا يلتفتون، وهم على الدوام بين أصناف هذه النعم يترددون وهم من زوالها آمنون.

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: ((ينادي مناد: يا أهل الجنة إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا، وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا فذلك قول الله عز وجل: ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون ([2]) [الأعراف:43].

وبعد أن بين الله عز وجل حال المؤمنين، وكيف أنهم يعطون النور في الآخرة بقدر أعمالهم، ويحملون كتابهم بأيمانهم، وتبشرهم الملائكة بجنة الله عز وجل خالدين فيها، وأن ذلك هو الفوز العظيم، بين الله عز وجل أحوال المنافقين إذا حرموا النور يوم القيامة، أو أطفأ عنهم أحوج ما يكونون إليه.

فقال عز وجل: يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نوراً فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب [الحديد:13].

قوله: انظرونا أي انظروا إلينا، وقيل بمعنى انتظرونا وهو الذي عول عليه ابن جرير، وكأنهم يقولون للمؤمنين ذلك حينما يساقون إلى الجنة زمرا، والمنافقون ما يزالون في عرصات الآخرة وأهوالها وعذابها، والمراد حينئذ من الانتظار الاقتباس من نورهم، ورجاء شفاعتهم، أو دخول الجنة معهم، طمعا في غير مطمع، يقولون لهم ذلك حين يسرع بهم إلى الجنة.

قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نوراً قال الزمخشري: طرد لهم وتهكم بهم، أي ارجعوا إلى الموقف إلى حيث أعطينا هذا النور فالتمسوه هناك فمن ثم يقتبس، أو ارجعوا إلى الدنيا فالتمسوا نورا بتحصيل سببه، وهو الإيمان والعمل الصالح، أو ارجعوا خائبين وتنحوا عنا فالتمسوا نورا آخر فلا سبيل لكم إلى هذا النور، وقد علموا أنه لا نور وراءهم وإنما هو تخييب وإقناط لهم.

قال الحسن وقتادة: هو حائط بين الجنة والنار، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم هو الذي قال الله تعالى: وبينهما حجاب [الأعراف:46]. وقال ابن كثير وهو الصحيح: باطنه في الرحمة أي الجنة وما فيها وظاهره من قبله العذاب.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير