تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه ...

الخطبة الأولى

أما بعد: فاتقوا الله ربكم أيها المؤمنون، وأطيعوه تفلحوا، والجؤوا إليه تسعدوا، فما خاب من لجأ إلى القوي العزيز سبحانه.

أيها المسلمون، إن الله سبحانه قد أخبرنا أن الناس فريقان، فريق في الجنة وفريق في السعير، فهما فريقان لا ثالث لهما يوم القيامة، أما في الدنيا فإن هناك صنفاً ثالثاً له سماته وخصاله وتاريخه الحافل، وهذا الصنف أراد أن يقف في الوسط ويستمد من الفريقين ما يضمن له عيشاً رغيداً وأماناً من القتل والإبادة، ولكن الله تعالى جعله في الدرك الأسفل من النار عقاباً عظيماً على معاص عظيمة.

ولخطورة هذا الصنف على المسلمين جاءت آيات القرآن منذرة ومحذرة وفاضحة لهذا الفريق من الناس، ففي مستهل القرآن الكريم وفي أول سورة البقرة يذكر القرآن المؤمنين في أربع آيات ثم يذكر الكافرين في آيتين ثم يتعرض لهذا الصنف الثالث في ثلاث عشرة آية، ولعظيم كيدهم ومكرهم وشدة أذاهم وأثرهم الكبير في زعزعة العقيدة والمسلمات الإيمانية قال الله تعالى عنهم مخاطباً نبيه هُمُ ?لْعَدُوُّ فَ?حْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ ?للَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [المنافقون:4].

ويخبرنا القرآن الكريم أن الله تعالى خاطب هذا الجنس من البشر خطاب تهديد ووعيد قُلِ ?سْتَهْزِءواْ إِنَّ ?للَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِ?للَّهِ وَءايَـ?تِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءونَ لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَـ?نِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مّنْكُمْ نُعَذّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ [التوبة:65 - 67].

وعن حالهم مع النبي وصحابته والمسلمين من بعده يقول القرآن عنهم إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُواْ قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ وَيَتَوَلَّواْ وَّهُمْ فَرِحُونَ [التوبة:50]، فهم يفرحون إذا وقع بالمسلمين نازلة أو حلت بهم مصيبة، ويعجبهم كثيراً أن يروا الكفار وقد أراقوا دماء المسلمين واجتاحوهم واحتلوا ديارهم وعاثوا في الأرض فساداً، وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن المسلمون وامتثلوا أحكام الله وقوموا بما أوجب عليكم قالوا بلسان الحال أو المقال أو القلم: أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ ?لسُّفَهَاء [البقرة:13]، فمن هؤلاء يا ترى؟ إنهم المنافقون لا كثرهم الله، فما هو النفاق يا عباد الله؟

إن النفاق هو مخالفة الباطن للظاهر، بأن يظهر صاحبُه الإيمانَ بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر، ويبطن ما يناقض ذلك كله أو بعضه، وهذا هو النفاق الذي كان على عهد النبي، ونزل القرآن بذمِّ أهله وتكفيرهم، وأخبر أن أهله في الدرك الأسفل من النار، وهو النفاق الاعتقادي.

وثمة نوع آخر من النفاق، وهو النفاق العملي، وأصوله مذكورةٌ في قوله: ((أربعٌ من كن فيه كان منافقاً، وإن كانت خصلةٌ منهن فيه كانت فيه خصلةٌ من النفاق حتى يدعها: من إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر، وإذا عاهد غدر)) أخرجه البخاري ومسلم.

وهذا النوع من النفاق لا ينقل صاحبه عن الإسلام ما دام أصل الإيمان في القلب، لكنه سمي نفاقاً لتلبس صاحبه ببعض أعمال المنافقين التي يخالف فيها الظاهر ما في الباطن كالكذب والخيانة والغدر وبغض الصالحين وغير ذلك.

ولا شك أن هذه ذنوب عظيمة وصاحبها على خطر شديد، وقد عرض نفسه لفتنة النفاق الأكبر، وهذا النوع من النفاق هو الذي خافه السلف وأشفقوا من فتنته واستعاذوا بالله منها، قال الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه: "باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر" وقال إبراهيم التيمي: "ما عرضت قولي على عملي إلا خشيت أن أكون مكذباً"، وقال بن أبي مليكة: "أدركت ثلاثين من أصحاب النبي كلهم يخاف النفاق على نفسه"، ويذكر عن الحسن: (ما خافه إلا مؤمن ولا أمنه إلا منافق).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير