تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أتانا نفر من قريش، فيهم أبو جهل بن هشام، فوقفوا على باب أبى بكر، فخرجت إليهم، فقالوا: أين أبوك يا بنت أبى بكر؟ قالت: قلت: لا أدرى والله أين أبى قالت: فرفع أبو جهل يده - وكان فاحشًا - فلطم خديّ لطمة، طرح منها قرطي، قالت: ثم انصرفوا ()، فهذا درس من أسماء والدة عبد الله بن الزبير رضي الله عنهم، تعلّمه لنساء المسلمين جيلاً بعد جيل، كيف تخفى أسرار المسلمين عن الأعداء، وكيف تقف صامدة شامخة أمام قوى البغي والظلم، وأما درسها الثاني البليغ، فعندما دخل عليها جدها أبو قحافة، وقد ذهب بصره، فقال: والله إني لأراه قد فجعكم بماله ونفسه. قالت: كلا يا أبت، إنه قد ترك لنا خيرًا كثيرًا، قالت: فأخذت أحجارًا فوضعتها في كوة في البيت كان أبى يضع فيها ماله، ثم وضعت عليها ثوبًا، ثم أخذت بيده فقلت: ضع يديك على هذا المال، قالت: ووضع يده عليه فقال: لا بأس، إذا كان ترك لكم هذا، فقد أحسن، وفي هذا بلاغ لكم، قالت: ولا والله ما ترك لنا شيئًا ولكني أردت أن أسكن

الشيخ بذلك ().

وبهذه الفطنة، والحكمة، سترت أسماء أباها، وسكنت قلب جدها الضرير، من غير أن تكذب، فإن أباها قد ترك لهم حقًا هذه الأحجار التي كومتها، لتطمئن لها نفس الشيخ! إلا أنه قد ترك لهم معها إيمانًا بالله لا تزلزله الجبال، ولا تحركه العواصف الهوج، ولا يتأثر بقلة أو كثرة في المال، وورثهم يقينًا، وثقة بلا حد لها، وغرس فيهم همة تتعلق بمعالي الأمور ولا تلتفت إلى سفاسفها ()، فضرب بهم للبيت المسلم مثالاً عز أن يتكرر، وقلَّ أن يوجد نظيره، لقد ضربت أسماء رضي الله عنها بهذه المواقف لنساء وبنات المسلمين مثلاً هن في أمس الحاجة إلى الاقتداء به والنسج على منواله ().

2 - صلة أسماء لأمها المشركة: عن أسماء بنت أبى بكر رضي الله عنها قالت: قدمت أمي وهي مشركة في عهد رسول الله ×، فاستفتيت رسول

الله ×، قلت: إن أمي قدمت وهي راغبة، أفأصل أمي؟ قال: «نعم، صلي أمك» ()، قال ابن حجر: وفي قولها: وهي راغبة أقوال، والذي عليه الجمهور من هذه الأقوال أنها قدمت طالبة من بر ابنتها لها، خائفة من ردها إياها خائبة. وفي هذا الحديث من الفوائد ما ذكره الخطابي: إن الرحم الكافرة توصل بالمال ونحوه كما توصل المسلمة (). وقد قال تعالى: +لاَ يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ? إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ" [الممتحنة: 8، 9]. وهاتان الآيتان رخصة في الذين لم ينصبوا الحرب للمسلمين، وجواز برهم، وإن كانت الموالاة منقطعة ().

3 - شجاعتها وجهادها في اليرموك مع زوجها: وأما شجاعتها وجراءتها وجهادها في سبيل الله، فأمر يفوق الخيال؛ فمن ذلك خروجها مع الجيش يوم اليرموك، فلقد شهدت اليرموك مع زوجها الزبير وابنها عبد الله (). ومن شجاعتها استعدادُها التام لمواجهة اللصوص الذين كثروا في يوم من الأيام بالمدينة، عن فاطمة بنت المنذر أن أسماء بنت أبى بكر اتخذت خنجرًا للصوص زمن سعيد بن العاص - أي في زمن إمارته المدينة - وكانوا قد كثروا في المدينة، فكانت تجعله تحت رأسها ().

4 - علاقتها بالقرآن الكريم: كانت رضي الله عنها قد تربت على كتاب الله وهدى النبي ×، وإليك هذه الصورة المشرقة من حياتها مع القرآن الكريم؛ فذات يوم دخل عليها ابنها وهي تُصلى فسمعها تقرأ هذه الآية: +فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ" [الطور: 27]. فبكت واستعاذت ... فقام وهي تستعيذ. فلما طال عليه أتى السوق وقضى منه حاجته .. ثم رجع فوجدها ما تزال في بكائها تستعيذ (). وكانت إذا أصيبت بالصداع تضع يدها على رأسها وهي تقول: بذنبي وما يغفر الله أكثر () وهذا فهم عميق لقول الله تعالى: +وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ" [الشورى: 30]. وقد أفرد الدكتور محمد ابن لطفي الصّباغ رسالة قيمة في حياة السيدة أسماء رضي الله عنها، وسيأتي الحديث عن بعض الدروس والعبر

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير