وكان إذا وصل إلى المصلّى يبدأ بالصلاة قبل الخطبة فيصلي ركعتين، يكبر في الأولى قبل القراءة سبع تكبيرات منها تكبيرة الافتتاح، ثم يقرأ الفاتحة: و سَبِّحِ ?سْمَ رَبّكَ ?لأَعْلَى? [الأعلى:1]. وفي الركعة الثانية يكبر خمس تكبيرات ثم يقرأ الفاتحة: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ?لْغَـ?شِيَةِ [3] [الغاشية:1]. وربما قرأ في الأولى: ق وَ?لْقُرْءانِ ?لْمَجِيدِ. والثانية: ?قْتَرَبَتِ ?لسَّاعَةُ وَ?نشَقَّ ?لْقَمَرُ [4] [القمر:1].
وكان إذا انتهى من الصلاة، وقف على راحلته مستقبلاً الناس، وهم صفوف جلوس، فخطبهم بخطبة جليلة، يبين فيها أسس العقائد والأحكام، ويأمر المسلمين بالصدقة، ثم يتوجه إلى النساء فيخطُبُهن، ويذكرهنّ.
عباد الله، يسن إذا رجع الإنسان من المصلى يوم الأضحى أن يبدأ قبل كل شيء بذبح أضحيته إن كان مستطيعاً فيسمي ويكبر، ويذبح الأضحية.
والأضحية في الإسلام شأنها جليل وحكمها نبيلة وعظيمة، منها: أنها فداء لإسماعيل عليه السلام.
ومنها: أنها قربة إلى الله الواحد الأحد بالذبح في هذا اليوم العظيم، فإذا ذبحتها فإن السنة أن تأكل ثلثها، وأن تتصدق بثلثها، وأن تهدي ثلثها، وإن فعلت غير ذلك فالأمر فيه سعة، ولكنه خلاف الأولى.
والأضحية ـ يا عباد الله ـ لابد أن تُستسمن، وأن تختار، وأن تصطفى؛ لأن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، فلا تجزئ العوراء البيّن عورها، ولا المريضة البين مرضها، ولا العرجاء البين عرجها، ولا الهزيلة، ولا العضباء، التي كسر النصف من قرنها أو أكثر، ولا ما قطع نصف أذنها أو أكثر.
ويكره الشرقاء التي انشقت أذنها طولاً، أو الخرقاء التي خرقت أذنها.
والسنة ألا يضحّى من الضأن إلا بالجذع [5] فأكبر، وأما المعز فالثنية [6] فأكبر، سنة نبيكم عليه الصلاة والسلام.
فاذكروا الله على ما هداكم، وكبروه ـ سبحانه وتعالى ـ واحمدوه على النعم الجليلة، والمواهب النبيلة، فإنه ـ والله ـ ما حفظت النعم إلا بالشكر، وما ضيعت إلا بالكفر.
فنعوذ بالله أن نكون من قوم بدلوا نعمة الله كفراً، وأحلوا قومهم دار البوار.
ونعوذ بالله أن نكون من قوم أنعم الله عليهم بنعم، فجعلوها أسباباً إلى المعاصي، وطرقاً للشهوات والمخالفات
ـ[عاطف جميل الفلسطيني]ــــــــ[18 - 11 - 09, 02:23 ص]ـ
الخطبة الأولى
عباد الله، إن لكل أمة من الأمم عيدًا يعود عليهم في يوم معلوم، يتضمن عقيدتها، وأخلاقها وفلسفة حياتها، فمن الأعياد ما هو منبثق ونابع من الأفكار البشرية والحوادث التاريخية البعيدة عن وحي الله تعالى، وأما عيد الأضحى وعيد الفطر فقد شرعهما الله تعالى لأمة الإسلام، وهذان العيدان يكونان بعد ركنين من أركان الإسلام، فعيد الأضحى يكون بعد عبادة الحج، وعيد الفطر يكون بعد عبادة الصوم لشهر رمضان.
واعلموا ـ رحمكم الله ـ أن يومكم هذا يوم مبارك، رفع الله قدره، وأعلى ذكره، وسمّاه يوم الحج الأكبر، وجعله عيدًا للمسلمين، حجاجًا ومقيمين، فيه ينتظم عِقد الحجيج على صعيد منى، وفي هذا اليوم المبارك يتقرّب المسلمون إلى ربهم بذبح ضحاياهم، اتباعًا لسنة الخليلين: إبراهيم ومحمد عليهما أفضل الصلاة وأزكى التسليم.
فأنتم ـ معشر المسلمين ـ على الإرث الحق والدين القيم، لملة الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام ودين الخليل محمد، وعيد الأضحى يربطكم بهذين الخليلين النبيين العظيمين عليهما الصلاة والسلام، لما شرع الله لكم في هذا اليوم من القربات والطاعات، وذلك أن الله أمر إبراهيم عليه الصلاة والسلام بذبح ولده إسماعيل عليه السلام قربانًا إلى الله، أمره ابتلاء واختبارًا، فبادر إبراهيم عليه السلام إلى تنفيذ أمر الذبح، واستسلم إسماعيل عليه السلام صابرًا، فلما تمَّ مرادُ الله تعالى بابتلاء خليله إبراهيم عليه السلام، وتأكد عزمه، وشرع في ذبح ابنه، فلم يبق إلا اللحم والدم، فداه الله بذبح عظيم، فأظهر إبراهيم أن محبته وخلته لربه لا يزاحمها شيء، حتى ولو كان ولدًا وحيدًا عزيزًا من صلبه، خاصة أن إبراهيم كان مشتاقًا للولد بعد عمر طويل، فدعا ربه، ورزقه الله تعالى إسماعيل، فلما بلغ وصار شابًا، وظهرت عليه ملامح الرجولة، جاءه الأمر بذبح ابنه، إن هذا لهو البلاء المبين، كما قال تعالى: فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ
¥