تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ [الصافات:102 - 107]، وهكذا ـ عباد الله ـ يبتلي الله عباده الأنبياء والمؤمنين.

سئل النبي: أي الناس أشد بلاء؟ فقال: ((الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلبًا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة، ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة)). فالابتلاء اختبار من الله لعباده؛ لتكفير السيئات، ورفع المنزلة والدرجات، فلما صدق إبراهيم الرؤيا رفع الله منزلته بالخلة، وفداه بذبح عظيم، وصارت سنة للمسلمين إلى يوم الدين، ورزقه بإسحاق ولدًا ثانيًا، وجزى ابنه إسماعيل بالنبوة لصبره: وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ، فالأضحية ـ عباد الله ـ تذكرنا بكل هذا، وبالعمل الجليل الذي كان من إبراهيم عليه الصلاة والسلام.

أيها المسلمون، إن العيد من شعائر الإسلام العظيمة الظاهرة، والعيد يتضمن معاني سامية جليلة ومقاصد عظيمة فضيلة وحِكمًا بديعة، فأولى معاني العيد في الإسلام توحيد الله تعالى، توحيده بإفراد كل أنواع العبادات لله وحده لا شريك له، توحيد الله وإفراده بالدعاء، والخوف، والرجاء والاستعاذة والاستعانة والتوكل والرغبة والرهبة والذبح والنذر لله تبارك وتعالى، وغير ذلك من أنواع العبادة، وهذا التوحيد هو أصل الدين الذي ينبني عليه كل فرع من فروع من الشريعة، وهو تحقيق معنى لا إله إلا الله، أي: لا معبود بحقّ إلا الله، قال تعالى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:4]، آية نقرؤها في كل ركعة من صلاتنا تتضمن هذا المعنى.

والتوحيد هو الأمر العظيم الذي بتحقيقه يدخل الإنسان جنات النعيم، وإذا ضيَّعه الإنسان لا ينفعه عمل قطّ، وكان من أهل النار. فتمسك ـ أيها المسلم ـ بهذا الأصل العظيم والركن القويم، فهو حق الله عليك، وعهد الله الذي أخذه على بني آدم في عالم الأرواح، وقد أكد الله في القرآن العظيم على هذا التوحيد توحيد الله بالعبادة، وعظّم شأنه، فما من سورة في كتاب الله إلا وهي تأمر بالتوحيد نصًا أو تضمنًا أو التزامًا، أو تذكر ثواب الموحدين أو عقوبات المشركين، فمن وفى بحق الله تعالى وفى الله له بوعده، تفضُّلاً منه سبحانه، وفي الحديث الصحيح عن معاذ رضي الله عنه قال: كنت رِدْف النبي على حمار يقال له: عُفير، فقال: ((يا معاذ، هل تدري ما حق الله على عباده؟ وما حق العباد على الله؟)) قلت: الله ورسوله أعلم، قال: ((فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئًا)).

فالتوحيد ـ عباد الله ـ هو أول الأمر وآخره، وإياكم وأنواع الشرك التي تبطل التوحيد وتحبط العمل، والتي يقع فيها من لا علم له، كدعاء الأنبياء والصالحين والطواف على قبورهم وطلب الغوث منهم، أو طلب كشف الكربات والشدائد منهم، أو دعائهم بجلب النفع أو دفع الضر والمرض، أو الذبح أو النذر لغير الله تعالى، أو الاستعاذة بغير الله تعالى، أو الذهاب إلى الكهنة والسحرة والمشعوذين، كل هذا من الشرك الأكبر الذي حرمه الله في كتابه، قال الله عز وجل: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18]، وقال أيضًا: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة:72]، وقال تعالى: وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]، وقال عز وجل: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا [النساء:48]، وقال في آية أخرى: وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيدًا [النساء:116]. فاحرصوا على تحقيق العبادة

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير