لقد سنّ لنا نبينا محمد صلاة العيد، وأخبر أمته أن الله أبدلنا بأعياد الجاهلية عيدي الفطر والأضحى، هذان العيدان مناسبة تجتمع فيهما الفرحة والطاعة، حيث التعانق والتسامح والتصافح، وحيث ذكر الله عز وجل بصلاة العيد وأداء المناسك وذبح الأضحية، وقبل ذلك ينتهز المسلمون فرصة يوم عرفة، فيصومون راغبين في رحمة الله عز وجل، حيث وعد أن من صام يوم عرفة تكفر ذنوب سنته الماضية وسنته المقبلة. فتجتمع المناسبات العظام، من حضور جميع الحجيج على جبل عرفات، ومن صيام الأمة في مشارق الأرض ومغاربها ذلك اليوم، ثم حضورهم صباح يوم العيد في الساحات والمصليات والمساجد، ويخرج صغيرهم وكبيرهم وإناثهم وذكورهم، ذاكرين الله ومصلين، يستقبلون العيد بطاعة الله والصلاة، ويودعونه بصلة الأرحام والتكبير بعد الصلوات.
لو تأملت منظر الحجيج في تلك المسيرة الكبرى حيث يهتفون في عرفات وهم مجتمعون، وقد تجردوا من اللباس إلا من الأزر والأردية، وكلهم قد تساووا في المظهر، فلا عظمة إلا لله، ولا تقديس إلا له سبحانه، فأحدهم يناجي ربه بالعربية، والآخر بالإنجليزية، والثالث بالأوردية، والآخر أبكم يناديه بقلبه، والجميع يرجونه ويخافونه، يناجيه الجميع بلهجات العالم أجمع، فسبحان من لا يشغله سمع عن سمع، ولا تغلطه المسائل، ولا يبرمه إلحاح الملحين.
هذا التجمع تعجز عنه جميع الملل، فأي دين في الأرض غير الإسلام يمكنه أن يحدث هذا الاجتماع وهذه الوحدة والتماسك؟! وحدة في العبودية، فلا معبود بحق إلا الله، وفي وقت واحد، وهو يوم عرفة، بل وبلباس واحد، يرى المسلم العربي أخاه من جنوب أفريقيا أو من شمال آسيا أو أستراليا وكلهم يهتفون، والهتاف لله وحده، إن أدنى تأمل في هذا المشهد يشعرك أن الإسلام يريد من هذه الأمة الاعتصام والوحدة، وإنه يوحي إليك من مظهر الحجيج العام الوحدة في الاجتماع بالأبدان وفي العبادة وفي المقصد.
صلاة العيد سنة عن نبيكم، وقد واظب عليها، وكان يكبر في الركعة الأولى قبل القراءة سبع تكبيرات، وكان وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما يصلون العيد قبل الخطبة، وكان يرجع لبيته من طريق غير الطريق الذي ذهب منها لصلاة العيد، وذلك لتكثير الخطى في طاعة الله، فإن المسلم إذا خرج للصلاة فإنه في صلاة ما كانت الصلاة هي التي أخرجته، وله بكل خطوة حسنه، وترفع عنه بكل خطوة سيئة، وكم أضعنا من الخطى والحسنات.
ومن السنة أن تكون صلاة العيد في المصلى، وكان الصحابة رضي الله عنهم يكبرون ويدعون ويهللون إذا خرجوا للعيد، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يكبر في الطريق وفي المصلى، حتى إذا جلس الإمام ترك التكبير.
ومن السنة أيضًا التكبير بعد الصلوات الخمس، من ظهر يوم النحر إلى صلاة الصبح من اليوم الرابع، والتكبير في المساجد والجماعات، ومن يصلي منفردًا في بيته، وعلى هذا عمل أهل مدينة رسول الله من الصحابة والتابعين وتابعيهم رضي الله عنهم أجمعين.
وينبغي للمسلم أن يتنظف ويتزين لهذا اليوم العظيم، ومن تمام الزينة إزالة الأوساخ والروائح الكريهة بالاستحمام، فقد استحب ابن عمر الاستحمام والاغتسال ليوم العيد، ومن عنده الجديد من الثياب فعليه به، فإن الله جميل يحب الجمال، ويحب أن يرى أثر نعمته على عبده.
من تمام الخير والفرحة والأجر والسنة أن يذبح المسلم المستطيع، لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا [البقرة:286]، وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج:78]، كما أنه ليس من اللائق بالمسلم القادر على الذبح أن لا يذبح، وقال: ((سنّة أبيكم إبراهيم))، قالوا: ما لنا منها؟ قالوا: ما أجرنا منها؟ قال: ((بكل شعرة حسنة))، قالوا: فالصوف؟ قال: ((بكل شعرة من الصوف حسنة)).
من الأدب مع الله أن نجود في طاعة الله بأحسن ما يمكن من أجود أنواع الأموال، لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92]، ولقد ذم الله أناسًا ينفقون الرديء من أموالهم: وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ [البقرة:267]، وضحّى رسول الله بكبشين أقرنيين أملحين، وقال: ((أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراء البيّن عورها، والعرجاء البيّن عرجها، والمريضة البيّن مرضها، والكبيرة التي لا تنقي))، والمرض الخفيف أو العرج الذي لا يؤثر على مشيها لا بأس بذلك.
¥