تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال: عدوّ الله وليس كذلك إلا حارَ عليه)) [10]، وقال: ((من قال لأخيه: يا كافِر فقد باءَ بها أحَدُهما)) عياذًا بالله، خرّجهما مسلم في صحيحه [11].

إنَّ على علماءِ الشريعَة الموقِّعين عن ربّ العالمين والمؤتمَنين على ميراثِ النبوّة والدعاةِ ورجالِ الحِسبة، وعلى وسائل الإعلام ورجال التربية والتعليم أن يربطوا المسلمين وفِتيانهم بمنهاجِ الوسَطيّة السّلفيَّة المعتدِلة التي جاءت بها شريعَة الإسلام، ودلّت عليها نصوصُ الكتابِ والسنَّة وتمثّلتها فهمُ سلَفِ الأمّة، وامتثَلتها بلاد الحرمين الشريفين حرسها الله، فكان أَن سَطع بأساطِينِ قيادَتها نورُ الإيمانِ، وعمّ الأمنُ والأمَان، وغدَت ثَغرًا باسمًا في وجهِ الزّمان، فضلاً من الله ومَنًّا، لا باكتِسابٍ مِنّا.

إنَّ أمنَ بلاد الحرمين الشريفين قضيّةٌ لا تقبَل المساوماتِ ولا تخضَع للمزايدات والمهاترات، ولا تهزّها الزوبعات، وقد بسَط الله فيها أمنَه وأمانَه إلى أن يرِثَ الله الأرضَ ومن عَليها وهو خير الوارِثين، وإن رغِمَت أنوفٌ مِن أناسٍ فقل: يا ربّ، لا تُرغم سِواها. لا مكانَ في هذه البلادِ المبارَكةِ بإذنِ الله للعنفِ والتّخريبِ والإفسادِ والتأليب والتّرعيبِ.

أمّةَ الدعوة والإصلاح، ومِن القضايا التي يجب أن تتواصَى بها الأمّةُ وتحدَّدَ أصولُها وضَوابطُها وتُتَّخَذ عنوانًا للتّرابُط وتجاوزِ العقَبات والتّحدّيات الدعوةُ للإصلاح الذي هو وَجهٌ من وجوه حِكمةِ بِعثة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، يقول تعالى على لسانِ شُعيبٍ عليه السلام: إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ ?لإِصْلَـ?حَ مَا ?سْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِى إِلاَّ بِ?للَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ [هود:88].

والذين يتوجَّهون شَطرَ الإصلاح المعتَبر ويحمِلون لواءَه لهم رِجالٌ بَررَةٌ، يُسلِمون الأمّة إلى ساحاتِ الخير والقوّة، ولا يَقودُ هذه الرِّكابَ إلاّ كبيرُ الهمّة مَضّاء العزيمة، وسيَكون الإصلاحُ مَربحًا ومغنَمًا إذا انطلَقت الأمة فيه من إصلاحِ ذاتها والنظر في عيوبها وتهذيبها وأطرِها على سُنَن الهُدى، وأتبَعت ذلك بإصلاحِ الأسَر لأنها نواة المجتمع، وسيكون الإصلاحُ للعَلياء مرقاةً إذا بَسطنا ظِلالَه على المجتمَع والأمّة بما تقتَضيه المصالحُ الشرعيّة من التدرّج والرفق والأناة ومراعاة فِقهِ المهِمّات والأولَوِيّات.

ولمّا كانت الأهواءُ تجمَح والمدارِك تختلِف وتتفاوَت كانَ لِزامًا اعتبارُ صَلاح المصلِحِ وصفاءِ منهجِه واستقامةِ آرائه. إنه إنِ انبَرَى سفيهٌ غيرُ فقيه ولاسَنَ مَوتورٌ يزعم الإصلاح بشقّ عصا الطاعة وتفريق الجماعة، فإنه داعية فتنةٍ، والفتنة نائمة لعن الله من أيقظها.

ويؤكَّد هنا ـ يا رَعاكم الله ـ على الجانب المزعوم للإصلاح الذي يركَب مطيّتَه بُعض المزايدِين على الشريعة وذوِي المغامرات الطائِشَة والأطروحات المثيرة المتَّسِمة بالمخالَفات الشهيرة واللاهثِين وراءَ ركوب موجةِ حُبّ الشُهرَة والظهور، وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِى ?لأرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ ?لْمُفْسِدُونَ وَلَـ?كِن لاَّ يَشْعُرُونَ [البقرة:11، 12].

أمّةَ الإسلامِ، أيّتها الوفودُ المباركة، تعيشون هذا اليوم على ثَرَى هذا البلد الأمين الأفيَح سرورَ العيدِ وأُنسَ التعارُف والتآلف، وتنعَمون بنسائِمِ الرحمةِ والأخوّة الإسلامية في هذه المواكبِ المهيبةِ، ولكنّنا نذكّر في غمرَة الأسى بأنّ أمّتَنا الإسلاميّة لا تزالُ تتجَرّع المآسيَ والحسرات وتتلقّى الويلاتِ والنّكبات، القوارعُ تنوشُها من كلّ حدَبٍ وصَوب، والخطوب تؤمُّها من كلّ مضيقٍ وطريق، تبدّدَت قواهَا، وانفصمت عُراها، وحيثما أجَلتَ النظرَ أدمَت عينَيك وقرّحَت فؤادَك توازِعُ الأشلاءِ ونزيف الدماء واغتصابُ الأرضِ والعِرض، والعّدوّ المتربِّصُ يجدّ في خَنق أنفاسِها وتجاهُل قضايَاها، ولا مخلِّصَ لها من هذا الواقع المزري إلاّ الاعتصامُ بكتاب الله وسنة رسوله، وأن نتنادَى بالوحدة الإسلاميّة، إِنَّ هَـ?ذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَ?عْبُدُونِ [الأنبياء:92]، وأن لا تربِطَ ولاءاتِها وتوجُّهاتها إلا لعقيدَتها وثَوَابِتها، وَ?عْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ?للَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير