تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أيها المسلمون، الأولاد من بنين وبنات أمانة في أعناقنا، والبحث الجاد في كل ما يصلح حالهم ويرتقي بهم إيمانيًا وتعليميًا ودنيويًا أمرٌ حض عليه الإسلام ورغّب فيه، بل أوجبه ووعد عليه المثوبة في الدنيا والآخرة. إن من التفريط وقلّة الحكمة أن ينشغل الوالد بأعماله بعيدًا عن أولاده، أو ربما قضى البعضُ سحابة نهاره وجزءًا من ليله في استراحته الخاصة أو مع زملائه لا يدري عن أولاده شيئًا، وإذا عُوتب في ذلك أجاب قائلاً: وفرت لهم كل ما يحتاجونه، والسائق تحت طلبهم ووفق تصرفهم وأمرهم. هل هذا التعامل مع الأولاد يُعدُّ تربية؟! هل يعد رعاية يسقط به الواجب المنصوص عليه في حديث الرسول: ((كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته))؟! هل هذا التعامل يُرجى معه صلاح الأولاد أو فلاحهم أو نجاحهم؟! لو عوتب هذا الأب عن جوانب قصور في نفسه لأجاب: ما كان آباؤنا يهتمون بالتربية، فكل نهارهم عمل، ولا نراهم إلا في نهار الجمعة. فانظروا وتعجبوا من مثل هذا، لا ينسى تقصيرًا وقع في حقّه، مع أنه غير مقصود، ومع أن الأوضاع سابقًا كما يعلم الجميع تختلف في جوانب كثيرة عمّا هي عليه الآن، فليتّق الله كلّ أبٍ مفرّط، وليعلم كل مقصِّر في أمانة تربية الأولاد أنه سيجد غِبَّها في الدنيا قبل الآخرة.

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلاً.

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الصادقُ الأمين، خاتمُ المرسلين، ورحمة رب العالمين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأبتاعه أجمعين إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا.

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

ثم أما بعد: معاشر المسلمين، استجيبوا لربكم ما دمتم في زمن المهلة قبل أن يُحال بينكم وبين العمل وبينكم وبين التوبة، قبل الندم حين لا ينفع الندم، قبل أن تُوسَّد الترابَ ويُهالَ عليك في حفرة لا تتسع لغير جسمك أبدًا، حفرة ضيّقة إلا أن يوسّعها الله برحمته ثم بما قدمت من عمل صالح.

عباد الله، احذروا الظلم، احذروا الظلم، فإنه ظلمات يوم القيامة، وعاقبته وعقوبته تبدأ من الدنيا بقلة التوفيق وضيق الرزق ونكد العيش وقساوة القلب، وما عند الله أشد وأبقى.

الظلم ـ عباد الله ـ وضع الشيء في غير موضعه، وأصله الجَور ومجاوزة الحد، ولقد حذر الله تعالى منه وحرّمه على نفسه وجعله محرمًا بين العباد. وحرمة الظلم تتناول كل مجاوزة للحد حتى في الوضوء، يقول النبي: ((فمن زاد أو نقص فقد أساء وظلم) أي: أساء الأدب بتركه السنة والتأدبَ بأدب الشرع، وظَلَم نفسه بما نقصها من الثواب بترداد المرات في الوضوء. وفي التنزيل العزيز يقول المولى جل وعلا: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام: 82]، قال ابن عباس وجماعة من أهل التفسير: (لم يخلطوا إيمانهم بشرك). ويدخل في الظلم ما يعاني منه العمال من كفلائهم في تأخير أو نقص رواتبهم، وتحميلِهم فوق ما يطيقون من العمل، وتكليِفهم وقتًا يعملون فيه يزيد عما في العقد دون مقابل. كما يقع الظلم من العمال أنفسهم في عدم إتقان ما يوكَل إليهم من عمل تساهلاً أو عمدًا، وغشّهم المستأجرين المستفيدين من عملهم.

ومن صور الظلم ظلم الأزواج لزوجاتهم، إما من النفقة أو السكنى أو التسلط على ما لها وراتبها إن كانت موظفة أو في طريقة حديثِه معها من الإهانة والتجريح والسخرية. ومن صور الظلم أيضًا ظلم الزوجات أزواجَهن في كثرة غِيبتهم وسبهم وتنكّر فضلهم وعدم عذرهم والتقصير في حفظهم في أموالهم وأولادهم وربما أعراضهم، حمانا الله جميعًا من كل سوء ومكروه. فليتق الله كل ظالم لنفسه أو غيره، وليعلم يقينًا أنه سيُدان في ذلك يوم القيامة، ويطالبُ بما ظلم، فخففوا عن أنفسكم من ديون الظلم قبل الندم قبل أن ينادى: الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [غافر: 17].

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير