تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يخرج إلى المسجد ويخطب ويصلي وينصرف ثم يتنفل في بيته، ولم يقل أحد: إنه يكره للمسلم أن يتنفل قبل الصلاةِ، فكذلك العيد، والكراهة لا تثبت إلا بنهي عام أو خاص، ولم يرد شيء من ذلك".

اللّهمّ أعز الإسلام والمسلمين، وانصر عبادك الموحدين والدعاة المخلصين والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ...

ـ[عاطف جميل الفلسطيني]ــــــــ[18 - 11 - 09, 02:56 ص]ـ

الخطبة الأولى

أما بعد:

فيا أيها المسلمون، ويا حجاج بيت الله الحرام، أوصيكم ونفسي بتقوى الله سبحانه، فاتقوه في المنشط والمكره، والغضب والرضا، والخلوة والجلوة، واعلموا أنه قد اجتمع لكم في هذا اليوم عيدان: عيد الأضحى، وهو يوم الحج الأكبر، وعيد الأسبوع، وهو يوم الجمعة، فأكثروا من الشكر لله جل وعلا، وبادروا بالأعمال قبل انقطاعها، واعلموا أن الله غفور رحيم.

أيها المسلمون، إن الناس ما زالوا منذ أذن فيهم إبراهيم عليه السلام بالحج يفدون إلى بيت الله الحرام في كل عام من أصقاع الأرض كلها، وأرجاء المعمورة جميعها، مختلفةً ألوانهم، متمايزة ألسنتهم، متباينة بلدانهم، يغدون إليه وأفئدتهم ترف إلى رؤية البيت العتيق، والطواف به، ويستوي في ذلك الغني والفقير، والقادر والمعدم، كلهم يتقاطرون إليه تلبية لدعوة الله التي أذن بها إبراهيم عليه السلام، وَأَذّن فِى ?لنَّاسِ بِ?لْحَجّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى? كُلّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلّ فَجّ عَميِقٍ [الحج:27].

إن الحجاج إذ يستبدلون بزيهم الوطني زي الحج الموحَّد، ويصبحون جميعاً بمظهر واحد لا يتميز شرقيهم عن غربيهم، ولا عربيهم عن عجميهم، كلهم لبسوا لباساً واحداً، وتوجهوا إلى رب واحد، بدعاء واحد، وتلبية واحدة: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك.

تراهم يلبون وقد نسوا كل الهتافات الوطنية، وخلّفوا وراءهم كل الشعارات القومية، ونكّسوا كل الرايات العصبية والعبِّيَّة، ورفعوا رايةً واحدة، هي راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، يطوفون حول بيت واحد، يؤدون نسكا واحداً.

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.

إن الله عز وجل يوم شرع الحج للناس أراد فيما أراد من الحكم أن يكونوا أمة واحدة، متعاونةً متناصرة، متآلفة متكاتفة، كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.

إن الحج سلام حقيقي برمّته، إنه سلام غير مزيّف، يدخل فيه المسلم مدة هذا النسك، فيتعلم من خلاله احترام حق الحياة لكل مسلم حي مهما كانت درجة حياته، فلا يتعدى على أحد، ولا يظلم أحداً، ولا يبغي على أحد.

إن كل عاقل ومنصف يشهد بالله أن السلام الحقيقي والتعاون القلبي والروحي والتعاون على البر والتقوى لا ظل له في الواقع إلا في الإسلام، ومن خلال الإسلام وتاريخ الإسلام، وأما غير المسلمين من شتى الأمم ومختلف الديانات، فإن أقوالهم معسولة وأفعالهم مسمومة فيما يدعون إليه، إذ جعلوا مفهوم حقوق الإنسان عندهم مبنياً على فتح باب الحريات على مصراعيه، حسب ما يقتضيه المفهوم العلماني عندهم، والذي يرفض شِرعة الله وصبغته، بل يتم به تدمير الأخلاق، وإشاعة فوضى الغرائز، ثم هم يزعمون أنها برمّتها تعني مبادئ الحضارة والتقدم والرقي، من خالفها وكابر فيها رموه بأنه مخالف لحقوق الإنسان، وهي ليست من الحقوق في وردٍ ولا صَدَر، ولا هي من بابته، بل إن حلوها مرّ، وسهلها صعب، ودماثتها دميمة، ويا لله لقد صدقوا ظنهم، فاتبعهم أغرار ولهازم من مفكرين وكتاب في العلوم السياسية والاقتصادية والقانونية وعلم الاجتماع، وجملةٌ من هؤلاء هم في الحقيقة أشياع لدعوات الغرب ولُدّات، يتسللون لواذا عن أصول دينهم، فيشوشون في التشريع، ويهوّشون في الحدود، وليس غريباً أن تتبدى خطوط مثل هذه القضية عبر هذه الفتن المتلاطمة، ولا يُظن بالطبع أن ما بقي من ألوانها ورسومها بمعجزنا أن نتخيله، فمواقعوها هم صنف من الناس يتمددون بالحرية، وينكمشون بالإسلام، وكفاكم من شر سماعه، وتلكم شمالة نعيذكم بالله من غوائلها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير