تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ألا وإن معظم الشرور والنكبات التي أصابت أمة الإسلام، وأشد البلايا التي حلت بها إنما كانت بسبب ضعف التوحيد في النفوس، وما تسلط من تسلط من الأعداء، وتعجرف من تعجرف، وغار من غار على حياض المسلمين، واستأصل شأفتهم إلا بسبب ضعف التوحيد، وما تأريخ التتار عن المسلمين بغائب، حيث بلغ الضعف في نفوس كثير من المسلمين آنذاك مبلغا عظيما بسبب ضعف التوحيد، حتى ذكر بعض المؤرخين أن الجموع إبان الهجوم التتري لبلاد الإسلام كانوا يرددون: "يا خائفين من التتر، لوذوا بقبر أبي عمر، عوذوا بقبر أبي عمر، ينجيكم من الضرر"، كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِبًا [الكهف:5]، وَإِن يَمْسَسْكَ ?للَّهُ بِضُرّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ [يونس:107].

لقد ابتلي كثير من الناس بالجهل بالتوحيد حتى لم يعرفوا حق الله وحق العبد، ومزجوا بعض ما لله فجعلوه للعبد، حتى انحاز بعضهم إلى أصحاب القبور، وتضرعوا أمام أعتابها وتمسحوا بها، واستغاثوا بأهلها في الشدائد والكروب، بل لقد كثر مروِّجوها والداعون إليها، من قبوريين ومخرفين، والذين يخترعون حكايات سمجةً عن القبور وأصحابها، وكرامات مختلقة لا تمت إلى الصحة بنصيب، بل لقد طاف بعضهم بالقبور كما يطاف بالكعبة المعظمة، وأوقفوا الأموال الطائلة على تلك الأضرحة حتى إنه لتجتمع في خزائن بعض المقبورين أموال يصعب حصرها، فيا لله كيف أن أحياءهم لا يكرمون بدرهم واحد، وبألف ألف قد يُكرم أمواتهم.

لقد قصر أناس مع التوحيد، فتقاذفتهم الأهواء، واستحوذت عليهم الفتن والأدواء، فمن مفتون بالتمائم والحروز، يعلّقها عليه وعلى عياله، بدعوى أنها تدفع الشر، وتذهب بالعين، وتجلب الخير، والله تعالى يقول: وَإِن يَمْسَسْكَ ?للَّهُ بِضُرّ فَلاَ كَـ?شِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى? كُلّ شَىْء قَدُيرٌ [الأنعام:17].

لقد قصّر جمع من المسلمين مع التوحيد، فافتتنوا بالمشعوذين والدجاجلة الأفاكين، من سحرة وعرافين ونحوهم، والذين يأكلون أموال الناس بالباطل، بدعوة أنهم يكاشفونهم بأمور الغيب، فيما يُسمى بمجالس تحضير الأرواح، أو قراءة الكف والفنجان، ليكاشفوا الناس على حد زعمهم عما سيحدث في العالم خلال يوم جديد أو أسبوع سيطل أو شهر أوشك حلوله أو عام مرتقب، قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِى ?لسَّمَـ?و?تِ و?لأرْضِ ?لْغَيْبَ إِلاَّ ?للَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ [النمل:65]، ناهيكم ـ عباد الله ـ عن اللَّتِّ والعجن عبر الصحف والمجلات ونحوها فيما يُسمى: قراءة الأبراج ومستقبلها، والذي يروّج من خلاله بأنه يا لسعادة كاملة لأصحاب برج الجدي، ويا لغنى أصحاب برج العقرب، وأما أصحاب برج الجوزاء فيا لتعاسة الحظ وخيبة الأمل زعموا، إلى غير ذلك من سيل الأوهام الجارف والخزعبلات المقيتة التي لا حدّ لها، أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم بِسُلْطَـ?نٍ مُّبِينٍ [الطور:38].

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما [فيه] من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله إنه كان غفاراً.

الخطبة الثانية

الحمد لله ولي الصالحين، غَافِرِ ?لذَّنبِ وَقَابِلِ ?لتَّوْبِ شَدِيدِ ?لْعِقَابِ ذِى ?لطَّوْلِ لاَ إِلَـ?هَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ ?لْمَصِيرُ [غافر:3]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد:

فاتقوا الله أيها المسلمون، واجعلوا من عيدكم هذا صفحة جديدة بيضاء، يُصحح من خلالها الواقع المرير، ويُكشف الزيف عن كثير من الشعارات والنداءات التي لا تمت للإسلام بصلة، وأن يكون الحكم لله في أرضه، وأن تكون الهيمنة في جميع شؤون الحياة لكتاب الله وسنة نبيه، وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ ?للَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ ?لْكَـ?فِرُونَ [المائدة:44]، أَفَحُكْمَ ?لْجَـ?هِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ?للَّهِ حُكْماً لّقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:50]، عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: مُرَّ على يهودي محمماً مجلوداً، فدعاهم النبي فقال: ((هكذا تجدون حد

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير