هذا وصلوا ـ رحمكم الله ـ على خير البرية وأفضل البشرية محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، فقد أمركم الله بذلك فقال في كتابه: إِنَّ ?للَّهَ وَمَلَـ?ئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ?لنَّبِىّ ي?أَيُّهَا ?لَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً [الأحزاب:56].
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم ...
ـ[عاطف جميل الفلسطيني]ــــــــ[18 - 11 - 09, 02:57 ص]ـ
الخطبة الأولى
أما بعد: أيها المسلمون، إنكم لتحبون السعادة، وترجون الحياة الطيبة، وتطلبون السكينة والطمأنينة، ويومكم هذا يوم عيد بهيج، حقه الفرح والسرور والبهجة والحبور، حيّوا فيه إخوانكم، وصِلوا أرحامكم، وعودوا مرضاكم، وأطعموا فقراءكم.
أخرج أبو داود عن أنس رضي الله عنه قال: قدم رسول الله المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ((ما هذان اليومان؟)) قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله: ((إن الله قد أبدلكم بهما يومين خيرًا منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر)).
إن السعادة والطمأنينة مطلب عظيم، ويسعى لنيله الجميع في هذه الحياة الدنيا؛ إذ نحن في عصر تلاطم بالأسقام وازدحمت فيه الأوجاع، فهو بحق ووضوح عصر القلق والأحزان، اشتكى فيه كثير من الناس، وتذوقوا مرراته وأنكاده، وعاشوا مشاكله وهمومه، ومع هذا فلقد أُنشئت لذلك المستشفيات النفسية وفُتحت عيادات الطب النفسي؛ وذلك لعلاج القلق والاضطراب الذي يعانيه الناس، ليس أهل الفقر والمسغبة فحسب، بل حتى أصحاب المال والنفوذ واليسار، فمع جمعهم لألوان السعادة حُرموا لذاتها وحلاوتها وحقيقتها؛ إذ لم يفارقهم الهمّ والقلق، ولم تتصل بهم الراحة والسلامة. ظن كثيرون أن السعادة هي في زهرة الدنيا، فسعى أقوام للشرف والجاه، وآخرون للدرهم والدينار، مضيعين لدينهم، وغير مبالين بعاقبتها ومصيرها، فتجرعوا أحزانها في مسيراتها، واستطعموا أتراحها في أفراحها.
ثبت في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي قال: ((إن مما أخاف عليكم من بعدي ما يُفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها)).
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
معاشر المسلمين، إن هذه الحياة الدنيا بأشكالها ليست مفتاح السعادة إذا انفصلت عن طاعة الله، وإن السعادة الحقيقية في طاعة الله وذكره وعبادته، مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً [النحل: 96]؛ فإنها إن طابت أوجعت، وإن أفرحت أحزنت، وإن أضحكت أبكت، خذلت أحبابها وطلابها، وأضنت عبادها ونساكها، ودارت على أهلها بالدوائر، وجَرَّت على فعل العظائم والكبائر، وجعلت في الأوائل عبرا للأواخر.
أخرج الشيخان رحمهما الله عن عمرو بن عوف الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله بعث أبا عبيدة رضي الله عنه إلى البحرين؛ يأتي بجزيتها، فقدم بمال من البحرين، فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة، فوافوا صلاة الفجر مع رسول الله، فقال: ((أبشروا وأملوا ما يسركم، فوالله ما الفقرَ أخشى عليك، ولكن أخشى أن تُبسط الدنيا عليكم كما بُسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم))، وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((إن الدنيا حُلوةٌ خَضِرة، وإن الله تعالى مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء)).
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أيها الناس، طلب بعض العظماء الدنيا، واغتر بزينتها وبهارجها، ولم يَعِ وصف الله لها وتحذير العقلاء منها، فسعى إليها سعي الحبيب لحبيبه وابتغاء الخليل رضا خليله وخدينه، فمكنه الله وآتاه، وعمره وأعطاه، ومنحه لذائذ ومواهب، اشتط فيها وانحرف، وتعاظم ظلما وانصرف، أقام في الفخر والسؤدد ومقعد السيد المطاع والقيم المهاب، إذ سار الناس بذكره وفخاره، وتمدحوا بمجده وعلائه. وفجأة ينقلب حاله، ويتبدل سروره أحزانا، ويزول الشرف، ولا يبقى فضل ولا ذكر، مُحيت المفاخر، وانفرط عقدها بين الأعالي والأسافل، فيا لله انخفض العالي وانصرم، وباءت الذرية بالخزي والهوان، فمن منازل العظمة ممدّحين إلى مهاوي السجن خائبين، وأمسى التاج والفخار قرين الصَغَار، وصار للعظمة والاعتبار، فَهَلْ مِن
¥