تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

مُّدَّكِرٍ [القمر: 15].

وفي تلك الحال العجيبة والحياة المنحوسة الجديدة تجيش في النفوس مشاعر الحزن والأسف، كاشفة حقائق الدنيا الفانية والسعادة الزائلة والتقلبات المفاجئة، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لأُوْلِي الأَلْبَابِ.

فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا فساءك العيد في أغماتَ مأسورا

ترى بناتك فِي الأطمار جائعةً يغزلن لناس ما يملكن قطميرا

برزن نحوك للتسليم خاشعةً أبصارهن حسيرات مكاسيرا

يطأن في الطين والأقدام حافية كأنّها لَم تطأ مسكًا وكافورا

من بات بعدك فِي ملك يُسَر به فإنما بات بالأحلام معرورا

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

عباد الله، اعرفوا حقيقة الدنيا، وتأمّلوا عاقبتها، واعتبروا بصنائعها فيمن كان قبلكم، فلستم أول من خرج بها وتذوقها وعمرها. أكثروا من الأعمال الصالحة، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى، وتيقظوا فإن وراءكم يوما عظيمًا عسيرًا، ويجمع الله فيه الأولين والآخرين، تبين فيه الحقائق، وتنكشف فيه المظالم، ويقسم الناس إلى فريقين: فريق في الجنة، وفريق السعير.

أيها الإخوة، إننا لو فهمنا هذه الحياة وعرفنا قدرها وأدركنا غفلتنا لأعددنا لذلك اليوم، واستشعرنا أهواله، ولما لعبت الدنيا بعقولنا. لقد فقه الصلحاء قبلنا معنى هذه الحياة، وأدركوا وهنها وحقارتها، وعملوا لما بعدها، إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا [الإنسان: 10].

روى الترمذي وغيره عن أبي جحيقة رضي الله عنه قال: قالوا: يا رسول الله، قد شبت! قال: ((شيبتني هود وأخواتها) وفي لفظ قال: ((شيبتني هود والواقعة والمرسلات وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت)). وروى أبو داود والنسائي بسند حسن عن عبد الله بن الشخير رضي الله عنه قال: رأيت رسول يصلي وفي صدره أزيز كأزيز المِرجل من البكاء. ومر رسول الله على أناس وهم حول قبر يدفنون رجلا، فبدر من بين أيديهم ثم واجه القبر حتى بل الثرى من دموعه، وقال: ((أي إخواني، لمثل هذا اليوم فأعدوا)) رواه أحمد وابن ماجه عن البراء وهو حديث حسن. وروى الطبراني في الأوسط عن جابر قال: قال رسول الله: ((مررت ليلة أسري بالملأ الأعلى، وجبريل كالحِلْس البالي من خشية الله)). وروى أحمد وغيره بسند حسن عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله قال لجبريل: ((ما لي لا أرى ميكائيل يضحك؟! قال: ما ضحك ميكائيل منذ خُلقت النار)).

وهذا عمر رضي الله عنه قد حفَرت الدموع خطين أسودين في وجهه، وكان يمر بالآية من ورده بالليل فيمرض حتى يعوده الصحابة شهرا. وكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول: (إن ها هنا رجلا ود لو أنها قامت أن لا يُبعث) يعنى القيامة. وهذا الصحابي الجليل عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: (لأن أدمعَ دمعة من خشية الله أحب إلي من أن أتصدق بألف دينار). وكان شداد بن أوس يتقلب في فراشه ويقول: اللهم إن النار قد أذهبت مني النوم، فيقوم يصلي حتى يصبح.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

يقول علي رضي الله عنه عن الصحابة وقد علته كآبة: لقد رأيت أصحاب محمد فلم أر اليوم شيئا يشبههم؛ لقد كانوا يُصبحون شعثًا غُبرا، بين أعينهم أمثال رُكب المِعزَى، قد باتوا سُجدًا وقياما، يتلون كتاب الله، يُراوحون بين جباههم وأقدامهم، فإذا أصبحوا ذكروا الله فمادوا كما يَميد الشجر في يوم الريح، وهملت أعينهم حتى تُبل ثيابهم، والله فكأني بالقوم باتوا غافلين. فما رئي بعد ذلك ضاحكا حتى ضربه ابن ملجم.

وقالت ابنة الربيع بن خثيم: كنت أقول لأبي: يا أبتاه، ألا تنام؟! فيقول: يا بُنيه، كيف ينام من يخاف البَيات؟! وهذا سيد البكائين الحسن البصري رحمه الله كان إذا تكلم كأنه يُعاين الآخرة فيخبر عن مشاهدها، وكان إذا بكى فكأن النار لم تُخلق إلا له، وإذا قدم من دفن حميم له وجلس فكأنما هو أسير يستعد لضرب عنقه. وقال رحمه الله: "إن المؤمن يصبح حزينا ويمسي حزينا، ويتقلب باليقين في الحزن، ويكفيه ما يكفي العنيزة؛ الكف من التمر والرشفة من الماء"، وقال: "والله، لا يؤمن عبد بهذا القرآن إلا حزن وذبل وإلا نضب وإلا ذاب وإلا تعب". أتي رحمه الله بكوز من ماء ليفطر عليه، فلما أدناه إلى فيه بكى وقال: ذكرت أمنية أهل النار وقولهم: أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير