المَاءِ [الأعراف: 50]، وذكرت ما أجيبوا: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الكَافِرِينَ [الأعراف: 50].
وقال رجل للحسن: يا أبا سعيد، كيف أصبحت؟ قال: بخير، قال: كيف حالك؟ فتبسم الحسن وقال: تسألني عن حالي؟! ما ظنك بناس ركبوا سفينة حتى توسطوا البحر، فانكسرت سفينتهم، فتعلق كل إنسان منهم بخشبة، على أيّ حال يكون؟ قال الرجل: على حال شديدة، قال الحسن: حالي أشد من حالهم.
وكان طاووس رحمه الله يثب من فراشه، ويستقبل القبلة حتى الصباح، ويقول: "طيّر ذكر جهنم نوم الخائفين". وقال يوسف بن أسباط: كان سفيان الثوري إذا أخذ في ذكر الآخرة يبول الدم. وعن عطاء الحفاف قال: ما لقيت الثوري إلا باكيا، فقلت: ما شأنك؟! قال: أخاف أن أكون في أم الكتاب شقيًا.
ولما حضرت مِسعر بن كِدام الوفاة دخل عليه سفيان فوجده جزعا، فقال له: لم تجزع؟! فوالله، لوددت أني مت الساعة، فقال مسعر: أقعدوني، فأعاد عليه سفيان الكلام، فقال: إنك إذا لواثق بعملك يا سفيان، لكني ـ والله ـ لكأني على شاهق جبل لا أرى أين أهبط، فبكى سفيان وقال: أنت أخوف لله عز وجل مني.
أيها المسلمون، توبوا إلى الله عز وجل، وتذكروا غفلاتكم، وانظروا لما وراءكم من حساب وعذاب، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر: 18].
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين ...
الخطبة الثانية
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر أوجد الكائنات بقدرته فأتقن ما صنع، الله أكبر شرع الشرائع فأحكم ما شرع، الله أكبر ولا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع. الحمد لله أهل الحمد ومستحقه، والصلاة والسلام على نبينا محمد مصطفاه من رسله ومجتباه من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن الله تعالى شرع لكم في هذا اليوم العظيم التقرب إليه بإراقة الدماء وذبح الأضاحي توحيدًا له وتعظيمًا لحقه وشأنه.
والأضحية مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع، قال تعالى: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر: 2]، وأخرج أحمد بسند حسن عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أقام النبي بالمدينة عشر سنين يضحي. قال ابن القيم رحمه الله: "ولم يكن رسول الله يدع الأضحية"، وقال الحافظ في الفتح: "ولا خلاف في كونها من شرائع الدين". وأخرج أحمد وابن ماجه والحاكم وصححه ووافقه الذهبي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: ((من وجد سَعةً فلم يضح فلا يقربن مصلانا)).
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
واعلموا ـ أيها المسلمون ـ أن في الأضحية إحياءَ سنة إمام الموحدين إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وفيها التقرب إلى الله تعالى بإراقة الدماء، فإن الله عز وجل لن يبلغ مرضاته لحوم هذه الأضاحي ولا دماؤها، وإنما يناله تقوى العبد منه ومحبته له وإيثاره بالتقرب إليه بأحب شيء إلى العبد.
وفي الأضحية التوسعة على الأهل وعلى الفقراء يوم العيد، والإهداء لذوي القربى والجيران، ثم إن إراقة الدماء باسم الله تعالى مشروع في جميع الملل، كما أنه من أجل الطاعات وأعظم القربات، كما قال تعالى: وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا [الحج: 34]. قال ابن كثير رحمه الله: "لم يزل ذبح المناسك وإراقة الدماء على اسم الله مشروعا في جميع الملل".
واعلموا ـ يا مسلمون ـ أن هذه البهائم خلقها الله عز وجل وسخرها لنا ومنحنا كرائمها، فينبغي علينا رحمتها بالإحسان فيها، جاء في الحديث: ((إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليُرح ذبيحته)). وهذا أمر مهم ينبغي التنبه إليه، وهو الرفق بالأضحية والإحسان إليها.
¥